القرآن كله وفتشت عما أوعد به العصاة ، لم تر الله ـ تعالى ـ قد غلظ في شيء تغليظه في الإفك على عائشة ـ رضوان الله عليها. وأنزل ـ سبحانه ـ من الآيات القوارع ، المشحونة بالوعيد الشديد. ما أنزل في حديث الإفك ، ولو لم ينزل الله إلا هذه الثلاث ـ يعنى قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ.). إلى قوله ـ سبحانه ـ (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) لكفى بها. حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا ، وبأن جوارحهم تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا .. فأوجز ـ سبحانه ـ في ذلك وأشبع ، وفصل وأجمل ، وأكد وكرر ... وما ذلك إلا لإظهار علو منزلة رسوله صلىاللهعليهوسلم ونفى التهمة عن حرمته ..» (١).
٧ ـ توجيه المؤمنين الصادقين إلى العفو والصفح ، عمن شارك في حديث الإفك بالقول ، أو بالسماع ، أو بالرضا به ، ما دام هؤلاء المشاركون قد تابوا وندموا على ما وقع منهم ، ندما يدل على حسن توبتهم ، كأن يعترفوا بخطئهم أو يعتذروا عما فرط منهم.
ويشهد لهذا التوجيه قوله ـ تعالى ـ في شأن أبى بكر الصديق ، بعد أن أقسم أن لا ينفق على مسطح ـ (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ، أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
٨ ـ تكريم السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ تكريما يظل ملازما لها إلى أن يرث الله ـ تعالى ـ الأرض ومن عليها. فقد برأها ـ سبحانه ـ مما افتراه عليها المفترون ، وشهد بحصانتها وغفلتها عن السوء ، وقوة إيمانها ، وطيب عنصرها ، وأنزل في شأنها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة ، ويكفيها فخرا قوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ. لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
وقد ساق بعض العلماء كثيرا من الأحاديث التي تدل على فضلها وعلى حب النبي صلىاللهعليهوسلم لها ، فقال ما ملخصه : «وفي الجملة فإن أهل السنة مجمعون على تعظيم عائشة. وعلى محبة النبي صلىاللهعليهوسلم لها ، ففي الصحيح عن عمرو بن العاص قال : قلت يا رسول الله. أى النساء أحب إليك؟ قال : «عائشة».
وثبت في الصحيح ـ أيضا ـ أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة لما يعلمون من محبته صلىاللهعليهوسلم إياها .. وكان في مرضه الذي مات فيه يقول : أين أنا اليوم؟ استبطاء ليوم
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٢٣.