الشام ، ليس فيها ساكن ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) (١).
والمراد بالبيوت في قوله ـ تعالى ـ : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً.). البيوت المسكونة من أصحابها ، بدليل قوله ـ سبحانه ـ بعد ذلك ، (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ).
وقوله ـ تعالى ـ : (تَسْتَأْنِسُوا) ، من الاستئناس بمعنى الاستعلام والاستكشاف ، فهو من آنس الشيء إذا أبصره ظاهرا مكشوفا ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً ، قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً.). (٢) أى : قال لأهله إنى رأيت نارا.
ويصح أن يكون من الاستئناس الذي هو ضد الاستيحاش ، لأن الذي يقرع باب غيره لا يدرى أيؤذن له أم لا ، فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه ، فإذا أذن له أهل البيت في الدخول ، زالت وحشته ، ودخل وهو مرتاح النفس.
وعلى هذا المعنى يكون الكلام من باب المجاز ، حيث أطلق اللازم وهو الاستئناس ، وأريد الملزوم وهو الإذن في الدخول.
والمعنى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان ، لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم التي تسكنونها ، والتي هي مسكونة لسواكم «حتى تستأنسوا» ، أى : حتى تعلموا أن صاحب البيت قد أذن لكم ، ورضيت نفسه بدخولكم «وتسلموا على أهلها» أى : وتسلموا السلام الشرعي على أهل هذه البيوت الساكنين فيها.
وعبر ـ سبحانه ـ عن الاستئذان في الدخول بالاستئناس ، لأنه يوحى بأن القادم قد استأنس بمن يريد الدخول عليهم وهم قد أنسوا به ، واستعدوا لاستقباله ، فهو يدخل عليهم بعد ذلك وهم متهيئون لحسن لقائه. فإذا ما صاحب كل ذلك التسليم عليهم. كان حسن اللقاء أتم وأكمل.
وقوله (ذلِكُمْ) : أى الاستئناس والتسليم قبل الدخول (خَيْرٌ لَكُمْ) من الدخول بدون استئناس أو استئذان أو تسليم.
وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) متعلق بمحذوف ، ولعل هنا للتعليل. أى : أرشدناكم إلى هذا الأدب السامي ، وبيناه لكم ، كي تعملوا به ، وتكونوا دائما متذكرين له ، وتتركوا اقتحام
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ٢١٣.
(٢) سورة القصص الآية ٢٩.