نظيف من الخنا ، مجتمع لا تمنع فيه الشهوات الحلال وإنما تمنع منه الشهوات الحرام ، مجتمع لا تختلس فيه العيون النظرات السيئة ولا تتطلع فيه الأبصار إلى ما لا يحل لها التطلع إليه ، فالله ـ تعالى ـ يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (١) ويقول : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) (٢).
وقد وردت أحاديث متعددة في الأمر بغض البصر ، وحفظ الفرج ، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة ، العينان زناهما النظر ، والأذنان زناهما الاستماع ، واللسان زناه الكلام ، واليد زناها البطش ، والرجل زناها الخطا ، والقلب يهوى ويتمنى ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه.
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد الله قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن نظر الفجأة ـ أى البغتة من غير قصد ـ فقال : «اصرف بصرك» (٣).
٢ ـ أنه لا يحل للمرأة أن تبدى زينتها لأجانب ، إلا ما ظهر منها ، لأن الله ـ تعالى ـ يقول : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها).
قال الإمام القرطبي ما ملخصه : «أمر الله ـ تعالى ـ النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين ، إلا ما استثناه من الناظرين في باقى الآية ، حذارا من الافتتان ، ثم استثنى ما يظهر من الزينة ، واختلف الناس في قدر ذلك.
فقال ابن مسعود : ظاهر الزينة هو الثياب .. وقال سعيد بن جبير والأوزاعى : الوجه والكفان والثياب .. وقال ابن عباس وقتادة : ظاهر الزينة هو الكحل والسوار والخضاب .. ونحو هذا ، فمباح أن تبديه لكل من ظهر عليها من الناس.
وقال ابن عطية : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية ، بأن المرأة مأمورة بأن لا تبدى ، وأن لا تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ، ووقع الاستثناء فيما يظهر ، بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه ، أو إصلاح شأن ونحو ذلك ، «فما ظهر» على هذا الوجه مما تؤدى إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه.
قلت : أى القرطبي ـ : وهذا قول حسن ، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما ، عادة وعبادة ، صح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما.
__________________
(١) سورة الإسراء الآية ٣٦.
(٢) سورة غافر الآية ١٩.
(٣) راجع كتاب «رياض الصالحين» ص ٥٨٦ للإمام النووي.