وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)(٣٤)
والخطاب في قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ.). للأولياء والسادة ، والأيامى : جمع أيم ـ بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة .. وهو كل ذكر لا أنثى معه ، وكل أنثى لا ذكر معها بكرا أو ثيبا. والمراد بالأيامى هنا الأحرار والحرائر.
وقوله ـ تعالى ـ (مِنْ عِبادِكُمْ) جمع عبد وهو الرقيق ، و «وإمائكم» جمع أمة.
والمراد من الإنكاح هنا : المعاونة والمساعدة في الزواج ، والعمل على إتمامه بدون عوائق لا تؤيدها شريعة الله ـ تعالى ـ.
أى : زوّجوا ـ أيها الأولياء والسادة ـ من لا زوج له من الرجال المسلمين أو النساء المسلمات ، ويسروا لهم هذا الأمر ولا تعسروه ، لأن الزواج هو الطريق المشروع لقضاء الشهوة ، ولحفظ النوع الإنسانى ، ولصيانة الأنساب من الاختلاط ، ولإيجاد مجتمع تفشو فيه الفضيلة ، وتموت فيه الرذيلة.
وزوجوا ـ أيضا الصالحين للزواج من عبيدكم وإمائكم فإن هذا الزواج أكرم لهم وأحفظ لعفتهم.
قال صاحب الكشاف «فإن قلت لم خص الصالحين؟ قلت : ليحصن دينهم ، ويحفظ عليهم صلاحهم ، ولأن الصالحين من الأرقاء. هم الذين مواليهم يشفقون عليهم .. فكانوا مظنة للتوصية بشأنهم .. وأما المفسدون منهم فحالهم عند مواليهم على عكس ذلك» (١).
والأمر في قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْكِحُوا) يرى جمهور العلماء أنه للندب ، بدليل أنه قد وجد أيامى في العهد النبوي ولم يجبروا على الزواج ، ولو كان الأمر للوجوب ، لأجبروا عليه .. ويرى بعضهم أنه للوجوب.
قال الإمام ابن كثير : اشتملت هذه الآيات الكريمات على جمل من الأحكام المحكمة ، والأوامر المبرمة ، فقوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) هذا أمر بالتزويج ، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى وجوبه ، على كل من قدر
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٣٥.