وقال ابن عباس : المعنى : الله هادي السموات والأرض. والأول أعم للمعاني وأصح مع التأويل (١).
ويبدو لنا أن أقرب الأقوال إلى الصواب هو الذي رجحه الإمام القرطبي فيكون معنى الجملة الكريمة : الله ـ تعالى ـ هو نور العالم كله علويه وسفليه ، بمعنى منوره بالمخلوقات التكوينية ، وبالآيات التنزيلية ، وبالرسالات السماوية ، الدالة دلالة واضحة على وجوده ـ سبحانه ـ وعلى وحدانيته ، وقدرته ، وسائر صفاته الكريمة ، والهادية إلى الحق ، وإلى ما به صلاح الناس في دنياهم وآخرتهم.
قال ابن كثير : «وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا قام من الليل يقول : «اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن».
وقال صلىاللهعليهوسلم في دعائه يوم آذاه المشركون من أهل الطائف : «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل بي غضبك ، أو ينزل بي سخطك ، لك العتبى ـ أى الرجوع عن الذنب ـ حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك» (٢).
وأضاف ـ سبحانه ـ نوره إلى السموات والأرض ، للدلالة على سعة إشراق هذا النور ، وعموم سنائه ، وتمام بهائه في الكون كله.
ثم قرب ـ عزوجل ـ نوره إلى الأذهان فقال : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ..).
أى : صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة والسطوع ، كصفة مشكاة ـ وهي الفتحة الصغيرة في الجدار دون أن تكون نافذة فيه ـ هذه المشكاة فيها مصباح ، أى : سراج ضخم ثاقب تشع منه الأنوار.
وقال ـ سبحانه ـ : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) لأن وجود المصباح في هذه المشكاة يكون أجمع لنوره ، وأحصر لضيائه ، فيبدو قويا متألقا ، بخلاف ما لو كان المصباح في مكان نافذ فإنه لا يكون كذلك.
(الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) أى : في قنديل من الزجاج الصافي النقي ، الذي يقيه الريح ، ويزيده توهجا وتألقا.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ٢٥٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٦١.