الماء ، وقد تعنى ما يحاول العلم الحديث أن يتبعه من أن الحياة خرجت من البحر ، ونشأت أصلا في الماء ، ثم تنوعت الأنواع وتفرعت الأجناس.
ولكنا نحن على طريقتنا في عدم تعليق الحقائق القرآنية الثابتة على النظريات العلمية القابلة للتعديل والتبديل .. لا نزيد على هذه الإشارة شيئا ، مكتفين بإثبات الحقيقة القرآنية ، وهي أن الله ـ تعالى ـ خلق الأحياء كلها من الماء ، فهي ذات أصل واحد ، ثم هي ـ كما ترى العين ـ متنوعة الأشكال .. (١).
وقال الإمام الرازي : فإن قيل لما ذا نكر الماء هنا ، وجاء معرفا في قوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) (٢)؟
والجواب : إنما جاء هنا منكرا ، لأن المعنى ، أنه خلق كل دابة من نوع من الماء يختص بتلك الدابة ، وإنما جاء معرفا في قوله (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ) لأن المقصود هناك ، كونهم مخلوقين من هذا الجنس ، وهاهنا بيان أن ذلك الجنس ينقسم إلى أنواع كثيرة (٣).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ.). تفصيل لهذه المخلوقات التي خلقت من الماء.
والضمير في «منهم» يعود إلى «كل» باعتبار معناه ، وفيه تغليب العاقل على غيره.
أى : فمن هذه الدواب من يمشى على بطنه كالزواحف وما يشبهها ، «ومنهم من يمشى على رجلين» كالإنس والطير «ومنهم من يمشى على أربع» كالأنعام والوحوش «يخلق الله» ـ تعالى ـ «ما يشاء» خلقه من دواب وغيرها على وفق إرادته وحكمته «إن الله على كل شيء قدير» فلا يعجزه ـ سبحانه ـ خلق ما يريد خلقه ، ولا يمنعه من ذلك مانع ، بل كل شيء خاضع لقدرته ـ عزوجل ـ.
وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد ساقت ألوانا من الأدلة على قدرة الله ـ تعالى ـ. منها ما يتعلق بالكائن العلوي ، ومنها ما يتعلق بالزمان ، ومنها ما يتعلق بخلق أنواع الدواب على اختلاف أشكالها.
* * *
وبعد أن ساقت السورة ما ساقت من الأحكام والآداب ومن الأدلة على وحدانية الله ـ
__________________
(١) في ظلال القرآن ج ١٨ ص ١١١.
(٢) سورة الأنبياء الآية ٣٠.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ٦ ص ٢٩٦.