أى : وإذا بلغ الأطفال منكم ـ أيها المؤمنون والمؤمنات ـ سن الاحتلام والبلوغ الذي يصلح معه الزواج ، فعليهم أن يستأذنوا في الدخول عليكم في كل الأوقات ، كما استأذن الذين هم أكبر منهم في السن عند ما بلغوا سن الاحتلام ، فقد أمر ـ سبحانه ـ أمرا عاما بذلك فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ...). قال صاحب الكشاف : «والمعنى أن الأطفال مأذون لهم في الدخول بغير إذن إلا في العورات الثلاث ، فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثم خرجوا عن حد الطفولة ، بأن يحتلموا ، أو يبلغوا السن التي يحكم عليهم فيها بالبلوغ ، وجب أن يفطموا عن تلك العادة ، ويحملوا على أن يستأذنوا في جميع الأوقات ، كما هو الحال بالنسبة للرجال الكبار الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلا بإذن.
وهذا مما الناس منه في غفلة ، وهو عندهم كالشريعة المنسوخة. وعن ابن مسعود : «عليكم أن تستأذنوا على آبائكم وأمهاتكم وأخواتكم ..» (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أى : والله ـ تعالى ـ عليم بأحوال النفوس وبما يصلحها من آداب ، حكيم في كل ما يشرعه من أحكام.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك بعض الأحكام التي تتعلق بالنساء اللاتي بلغن سن اليأس ، فقال : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ ..).
والقواعد : جمع قاعد ـ بغير تاء ـ لاختصاص هذه الكلمة بالنساء كحائض وطامث.
وقالوا : سميت المرأة العجوز بذلك ، لأنها تكثر القعود لكبر سنها.
أى : والنساء العجائز اللاتي قعدن عن الولد أو عن الحيض ، ولا يطمعن في الزواج لكبرهن ، فليس على هؤلاء النساء حرج أن ينزعن عنهن ثيابهن الظاهرة ، والتي لا يفضى نزعها إلى كشف عورة ، أو إظهار زينة أمر الله ـ تعالى ـ بسترها.
فقوله ـ سبحانه ـ : (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ) بيان لمظهر من مظاهر التيسير في شريعة الإسلام ، لأن المرأة العجوز إذا تخففت من بعض ثيابها التي لا يفضى التخفف منها إلى فتنة أو إلى كشف عورة .. فلا بأس بذلك ، لأنها ـ في العادة ـ لا تتطلع النفوس إليها ، وذلك بأن تخلع القناع الذي يكون فوق الخمار ، والرداء الذي يكون فوق الثياب.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٥٤.