السلام ـ لأنه استل من الطين. ويجيء الضمير في قوله (ثُمَّ جَعَلْناهُ) عائدا على ابن آدم ، وإن كان لم يذكر لشهرة الأمر ، فإن المعنى لا يصلح إلا له ...» (١).
وشبيه بهاتين الآيتين قوله ـ تعالى ـ : (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ). (٢)
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ. فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ. إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ. فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ). (٣)
ثم بين ـ سبحانه ـ أطوارا أخرى لخلق الإنسان تدل على كمال قدرته ـ تعالى ـ فقال : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) أى : ثم صيرنا النطفة البيضاء ، علقة حمراء إذ العلقة عبارة عن الدم الجامد.
(فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) أى : جعلنا بقدرتنا هذه العلقة قطعة من اللحم ، تشبه في صغرها قطعة اللحم التي يمضغها الإنسان في فمه.
(فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) أى : حولنا هذه المضغة من اللحم التي لم تظهر معالمها بعد ، إلى عظم صغير دقيق ، على حسب ما اقتضته حكمتنا في خلقنا.
(فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) أى : فكسونا هذه المضغة التي تحولت بقدرتنا إلى عظام دقيقة باللحم ، بحيث صار هذا اللحم ساترا للعظام ومحيطا بها.
قال بعض العلماء : «وهنا يقف الإنسان مدهوشا ، أمام ما كشف عنه القرآن من حقيقة في تكوين الجنين ، لم تعرف على وجه الدقة إلا أخيرا ، بعد تقدم علم الأجنة التشريحى».
ذلك أن خلايا العظام غير خلايا اللحم وقد ثبت أن خلايا العظام هي التي تكون أولا من الجنين ، ولا تشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور خلايا الهيكل العظمى للجنين. وهي التي يسجلها النص القرآنى في قوله ـ تعالى ـ : (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً ، فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) فسبحانه العليم الخبير (٤).
وقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) بيان لما انتهت إليه أطوار خلق الإنسان.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ١٠٩.
(٢) سورة السجدة الآيات من ٦ ـ ٨.
(٣) سورة المرسلات الآيات من ٢٠ ـ ٢٤.
(٤) تفسير «في ظلال القرآن» ج ١٨ ص ١٧.