فأنت ترى أن هؤلاء الظالمين قد اشتمل قولهم الذي حكاه القرآن عنهم ـ على ست قبائح ـ قصدهم من التفوه بها صرف الناس عن اتباعه صلىاللهعليهوسلم.
قال صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الآيات : أى : إن صح أنه رسول الله فما باله حاله كحالنا «يأكل الطعام» كما نأكل ، ويتردد في الأسواق لطلب المعاش كما نتردد. يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الأكل والتعيش ، ثم نزلوا عن اقتراحهم أن يكون ملكا إلى ، اقتراح أن يكون إنسانا معه ملك ، حتى يتساندا في الإنذار والتخويف ، ثم نزلوا ـ أيضا ـ فقالوا : وإن لم يكن مرفودا بملك ، فليكن مرفودا بكنز يلقى إليه من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش. ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون رجلا له بستان يأكل منه ويرتزق ... وأراد بالظالمين : إياهم بأعيانهم. وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوا .. (١).
وقد رد الله ـ تعالى ـ على مقترحاتهم الفاسدة ، بالتهوين من شأنهم وبالتعجيب من تفاهة تفكيرهم ، وبالتسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه منهم فقال : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً).
أى : انظر ـ أيها الرسول الكريم ـ إلى هؤلاء الظالمين ، وتعجب من تعنتهم ، وضحالة عقولهم. وسوء أقاويلهم. حيث وصفوك تارة بالسحر. وتارة بالشعر. وتارة بالكهانة. وقد ضلوا عن الطريق المستقيم في كل ما وصفوك به. وبقوا متحيرين في باطلهم ، دون أن يستطيعوا الوصول إلى السبيل الحق. وإلى الصراط المستقيم.
فالآية الكريمة تعجيب من شأنهم ، واستعظام لما نطقوا به. وحكم عليهم بالخيبة والضلال ، وتسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما قالوه في شأنه.
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى هذه التسلية. تسلية أخرى لرسوله صلىاللهعليهوسلم فقال ـ تعالى ـ : (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً).
أى : جل شأن الله تعالى ، وتكاثرت خيراته ، فهو ـ سبحانه ـ الذي ـ إن شاء ـ جعل لك في هذه الدنيا ـ أيها الرسول الكريم ـ خيرا من ذلك الذي اقترحوه من الكنوز والبساتين ، بأن يهبك جنات عظيمة تجرى من تحت أشجارها الأنهار ، ويهبك قصورا فخمة ضخمة.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٦٥.