ذكر بعض المفسرين في سبب نزول هذه الآيات أن جماعة من قريش قالوا للنبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم إن كنت تريد بما جئت به مالا جمعنا لك المال حتى تكون أغنانا ، وإن كنت تريد ملكا ، جعلناك ملكا علينا ..
فقال صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : «ما أريد شيئا مما تقولون ، ولكن اللَّه تعالى بعثني إليكم رسولا ، وأنزل على كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالة ربي ، ونصحت لكم. فإن تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علىّ أصبر لأمر اللَّه ـ تعالى ـ حتى يحكم بيني وبينكم».
فقالوا : فإن كنت غير قابل شيئا مما عرضنا عليك ، فسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك ، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا ..
فقال لهم صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : «ما أنا بفاعل ، وما أنا بالذي يسأل ربه هذا ، وما بعثت إليكم بهذا ، ولكن اللَّه ـ تعالى ـ بعثني بشيرا ونذيرا» فأنزل اللَّه تعالى في قولهم ذلك .. (١).
والضمير في قوله ـ تعالى ـ : (وقالُوا) يعود إلى مشركي قريش و «ما» استفهامية بمعنى إنكار الوقوع ونفيه ، وهي مبتدأ ، والجار والمجرور بعدها الخبر. وجملة «يأكل الطعام» حال من الرسول.
أي : أن مشركي قريش لم يكتفوا بقولهم إن محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قد افترى القرآن ، وإن القرآن أساطير الأولين. بل أضافوا إلى ذلك أنهم قالوا على سبيل السخرية والتهكم والإنكار لرسالته : كيف يكون محمدا صلَّى اللَّه عليه وسلَّم رسولا ، وشأنه الذين نشاهده بأعيننا. أنه «يأكل الطعام» كما يأكل سائر الناس «ويمشى في الأسواق» أي : ويتردد فيها كما نتردد طلبا للرزق. «لولا أنزل إليه ملك» أي : هلا أنزل إليه ملك يعضده ويساعده ويشهد له بالرسالة «فيكون» هذا الملك «معه نذيرا» أي : منذرا من يخالفه بسوء المصير.
«أو يلقى إليه» أي : إلى الرسول صلَّى اللَّه عليه وسلَّم «كنز» أي : مال عظيم يغنيه عن التماس الرزق بالأسواق كسائر الناس ، وأصل الكنز ، جعل المال بعضه على بعض وحفظه. من كنز التمر في الوعاء ، إذا حفظه. «أو تكون له» صلَّى اللَّه عليه وسلَّم «جنة يأكل منها» أي : حديقة مليئة بالأشجار المثمرة ، لكي يأكل منها ونأكل معه من خيرها.
«وقال الظالمون» فضلا عن كل ذلك «إن تتبعون» أي : ما تتبعون «إلا رجلا مسحورا» أي : مغلوبا على عقله ، ومصابا بمرض قد أثر في تصرفاته.
__________________
(١) تفسير الآلوسي ج ١٨ ص ٢٣٧.