وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ..). كلام مستأنف لزيادة تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولترهيب المشركين وحضهم على الاتعاظ والاعتبار واتباع الرسول صلىاللهعليهوسلم حتى لا يعرضوا أنفسهم للهلاك والدمار الذي نزل بأمثالهم من السابقين.
أى : وبالله لقد آتينا موسى ـ عليهالسلام ـ «الكتاب» أى : التوراة لتكون هداية لقومه (وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً). أى : وجعلنا معه ـ بفضلنا وحكمتنا ـ أخاه هارون لكي يكون عونا له وعضدا في تبليغ ما أمرناه بتبليغه.
(فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) والتدمير : أشد الإهلاك.
وأصله كسر الشيء على وجه لا يمكن إصلاحه ، وفي الكلام حذف يعرف من السياق.
والمعنى : فقلنا لهما اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، وهم فرعون وقومه ، فذهبا إليهم ودعواهم إلى الإيمان ، فأعرضوا عنهما وكذبوهما ، وتمادوا في طغيانهم ، فكانت عاقبة ذلك أن دمرناهم تدميرا عجيبا ، بأن أغرقهم الله جميعا ، أمام موسى ومن معه.
فقوله ـ تعالى ـ (فَدَمَّرْناهُمْ ..). معطوف على مقدر ، أى : فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم تدميرا.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما جرى لقوم نوح فقال : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ ...).
والمراد بالرسل : نوح ومن قبله ، أو نوح وحده ، وعبر عنه بالرسل ، لأن تكذيبهم له يعتبر تكذيبا لجميع الرسل ، لأن رسالتهم واحدة في أصولها.
(وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) أى : بعد أن أغرقناهم بسبب كفرهم ، جعلنا إغراقهم أو قصتهم عبرة وعظة للناس الذين يعتبرون ويتعظون.
والتعبير ب «آية» بصيغة التنكير ، يشير إلى عظم هذه الآية وشهرتها ، ولا شك أن الطوفان الذي أغرق الله ـ تعالى ـ به قوم نوح من الآيات التي لا تنسى.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً) بيان لسوء مصير كل ظالم يضع الأمور في غير مواضعها.
أى : وهيأنا وأعددنا للظالمين عذابا أليما موجعا ، بسبب ظلمهم وكفرهم ، وعلى رأس هؤلاء الظالمين قوم نوح ، الذين كفروا به وسخروا منه ..