أى : وأنذرنا كل فريق من القرون الماضية المكذبة ، وضربنا له الأمثال الحكيمة الكفيلة بإرشاده إلى طريق الحق ، ولكنه استحب العمى على الهدى ، والضلالة على الهداية ، فكانت عاقبته كما قال ـ تعالى ـ بعد ذلك (وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً).
أى : وكل قرن من هؤلاء المكذبين أهلكناه إهلاكا لا قيام له منه ، وأصل التتبير : التفتيت. وكل شيء فتته وكسرته فقد تبرته. ومنه التبر لفتات الذهب والفضة.
والمراد به هنا التمزيق والإهلاك الشديد الذي يستأصل من نزل به.
ثم وبخ ـ سبحانه ـ مشركي مكة على عدم اعتبارهم واتعاظهم بما يرون من آثار فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ ، أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها ، بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً).
والمراد بالقرية هنا : قرية سدوم التي هي أكبر قرى قوم لوط ، والتي جعل الله ـ تعالى ـ عاليها سافلها. والمراد بما أمطرت به : الحجارة التي أنزلها الله ـ تعالى ـ عليها ، كما قال ـ تعالى ـ : (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (١).
والسوء ـ بفتح السين وتشديدها ـ مصدر ساءه. أى : فعل به ما يكره. والسوء ـ بالضم والتشديد ـ اسم منه.
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) للتقريع والتوبيخ على عدم الاعتبار بما يرونه من أمور تدعو كل عاقل إلى التدبر والتفكر والاتعاظ.
أى : أقسم لك ـ أيها الرسول الكريم ـ أن هؤلاء المشركين الذين اتخذوا القرآن مهجورا ، كانوا وما زالوا يمرون مصبحين وبالليل على قرية قوم لوط ، التي دمرناها تدميرا ، بسبب فسوق أهلها وفجورهم ، وكانوا يرون ما حل بها من خراب ..
ولكنهم لكفرهم بك والبعث والحساب ، لم يتأثروا بما رأوا ، ولم يعتبروا بما شاهدوا ، وسيندمون يوم القيامة على كفرهم ولكن لن ينفعهم الندم.
وصدر ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بلام القسم وقد ، لتأكيد رؤيتهم لتلك القرية التي أمطرت مطر السوء.
والمراد برؤيتها ، رؤية ما حل بها من خراب ودمار كما قال ـ تعالى ـ : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ
__________________
(١) سورة الحجر الآية ٧٤.