وإنما أنزلناه بتقدير مناسب لجلب المنافع ، ودفع المضار ، كما قال ـ سبحانه ـ في آية أخرى : (... وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١).
وقوله : (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) أى : هذا الماء النازل من السماء بتقدير معين منا تقتضيه حكمتنا ، جعلناه ساكنا مستقرا في الأرض ، لتنعموا به عن طريق استخراجه من الآبار والعيون وغيرها.
وفي هذه الجملة الكريمة إشارة إلى أن المياه الجوفية الموجودة في باطن الأرض ، مستمدة من المياه النازلة من السحاب عن طريق المطر.
وهذا ما قررته النظريات العلمية الحديثة بعد مئات السنين من نزول القرآن الكريم. وبعد أن بقي العلماء دهورا طويلة ، يظنون أن المياه التي في جوف الأرض ، لا علاقة لها بالمياه النازلة على الأرض عن طريق المطر.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) بيان لمظهر من مظاهر قدرته ورأفته ورحمته ـ تعالى ـ بعباده.
أى : وإنا على إذهاب هذا الماء الذي أسكناه في باطن الأرض لقادرون ، بأن نجعله يتسرب إلى أسفل طبقات الأرض فلا تستطيعون الوصول إليه ، أو بأن نزيله من الأرض إزالة تامة ، لأن القادر على إنزاله قادر على إزالته وإذهابه ، ولكنا لم نفعل ذلك رحمة بكم ، وشفقة عليكم ، فاشكرونا على نعمنا وضعوها في مواضعها الصحيحة.
قال صاحب الكشاف : «قوله : (عَلى ذَهابٍ بِهِ) من أوقع النكرات وأحزها للمفصل.
والمعنى : على وجه من وجوه الذهاب به ، وطريق من طرقه ، وفيه إيذان باقتدار المذهب ، وأنه لا يتعايى عليه شيء إذا أراده ، وهو أبلغ في الإبعاد ، من قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) (٢).
فعلى العباد أن يستعظموا النعمة في الماء. ويقيدوها بالشكر الدائم ، ويخافوا نفارها إذا لم تشكر (٣).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ. ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ..). (٤).
__________________
(١) سورة الحجر الآية ٢١.
(٢) سورة الملك الآية ٣٠.
(٣) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٨٠.
(٤) سورة الزمر الآية ٢١.