على المواعظ والثواب والعقاب ، أكبوا عليها ، وأقبلوا على المذكّر بها بآذان واعية ، وبعيون مبصرة ، وليس كأولئك الكفار أو المنافقين الذين ينكبون على عقائدهم الباطلة انكباب الصم العمى الذين لا يعقلون ، وينكرون ما جاءهم به رسول ربهم بدون فهم أو وعى أو تدبر.
فالآية الكريمة مدح للمؤمنين على حسن تذكرهم وتأثرهم ووعيهم ، وتعريض بالكافرين والمنافقين الذين يسقطون على باطلهم سقوط الأنعام على ما يقدم لها من طعام وغيره.
قال صاحب الكشاف : قوله : (لَمْ يَخِرُّوا.). ليس بنفي للخرور ، وإنما هو إثبات له ، ونفى للصمم والعمى ، كما تقول : لا يلقاني زيد مسلّما هو نفى للسلام لا للقاء.
والمعنى : أنهم إذا ذكروا بها أكبوا عليها حرصا على استماعها ، وأقبلوا على المذكر بها ، وهم في إكبابهم عليها ، سامعون بآذان واعية. مبصرون بعيون راعية ، لا كالذين يذكرون بها فتراهم مكبين عليها .. وهم كالصم العميان حيث لا يعونها كالمنافقين وأشباههم (١).
ثم ذكر ـ سبحانه ـ في نهاية الحديث عنهم أنهم لا يكتفون بهذه المناقب الحميدة التي وهبهم الله إياها ، وإنما هم يتضرعون إليه ـ سبحانه ـ أن يجعل منهم الذرية الصالحة ، وأن يرزقهم الزوجات الصالحات. فقال ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ، وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً).
أى : يقولون في دعائهم وتضرعهم يا (رَبَّنا هَبْ لَنا) بفضلك وجودك (مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) أى : ما يجعل عيوننا تسر بهم ، ونفوسنا تنشرح برؤيتهم ، وقلوبنا تسكن وتطمئن وجودهم ، لأنهم أتقياء صالحون مهتدون ..
(وَاجْعَلْنا) يا ربنا (لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) أى : اجعلنا قدوة وأسوة للمتقين. يقتدون بنا في أقوالنا الطيبة ، وأعمالنا الصالحة ، فأنت تعلم ـ يا مولانا ـ أننا نعمل على قدر ما نستطيع في سبيل إرضائك وفي السير على هدى رسولك صلىاللهعليهوسلم. هذه هي صفات عباد الرحمن ذكرها القرآن في هذه الآيات الكريمة ، وهي تدل على قوة إيمانهم ، وصفاء نفوسهم ، وطهارة قلوبهم .. فماذا أعد الله ـ تعالى ـ لهم؟
لقد بين ـ سبحانه ـ ما أعده لهم فقال : (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً* خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً).
والغرفة في الأصل : كل بناء مرتفع ، والجمع غرف وغرفات كما في قوله ـ تعالى ـ : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ) (٢).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٩٥.
(٢) سورة الزمر ، آية ٢٠.