قل ـ أيها الرسول الكريم ـ للمؤمنين أو للناس جميعا ، أى اعتداد لكم عند ربكم لو لا دعاؤكم ، أى : لو لا عبادتكم له ـ عزوجل ـ أى : لو لا إخلاصكم العبادة له لما اعتد بكم.
ثم أفرد الكافرين بالخطاب فقال : (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) أيها الكافرون (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً).
أى : فسوف يكون جزاء التكذيب «لزاما» أى : عذابا دائما ملازما لكم. فلزاما مصدر لازم ، كقاتل قتالا ، والمراد به هنا اسم الفاعل.
وقد وضح صاحب الكشاف هذا القول فقال : لما وصف الله ـ تعالى ـ عبادة العباد ، وعدد صالحاتهم وحسناتهم .. أتبع ذلك ببيان أنه إنما اكترث لأولئك وعبأ بهم وأعلى ذكرهم ، لأجل عبادتهم فأمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يصرح للناس ، ويجزم لهم القول ، بأن الاكتراث لهم عند ربهم ، إنما هو للعبادة وحدها لا لمعنى آخر ...
وقوله (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) يقول : إذا أعلمتكم أن حكمى ، أنى لا أعتد بعبادي إلا من أجل عبادتهم ، فقد خالفتم بتكذيبكم حكمى ، فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم حتى يكبكم في النار. ونظيره في الكلام أن يقول الملك لمن عصاه : «إن من عادتي أن أحسن إلى من يطيعني ، ويتبع أمرى ، فقد عصيت فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك ...» (١).
ومن العلماء من يرى أن الخطاب في الآية للكافرين ، وأن المصدر مضاف لمفعوله ، فيكون المعنى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الكافرين ، ما يعبأ بكم ربي ، ولا يكترث لوجودكم ، لو لا دعاؤه إياكم على لساني ، إلى توحيده وإخلاص العبادة له ، وبما أنى قد دعوتكم فكذبتم دعوتي. فسوف يكون عاقبة ذلك ملازمة العذاب لكم.
وهذا قول جيد ولا إشكال فيه وقد تركنا بعض الأقوال لضعفها ، وغناء هذين القولين عنها.
وبعد : فهذا تفسير لسورة «الفرقان» تلك السورة التي حكت شبهات المشركين وأبطلتها. وساقت ما ساقت من تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم وتثبيته ، وبشرت عباد الرحمن بأرفع المنازل.
ونسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلنا جميعا منهم ، وأن يحشرنا في زمرتهم.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٢٩٧.