عبثكم وترفكم ، وغروركم.
(وَتَتَّخِذُونَ) أى : وتعملون (مَصانِعَ) أى : قصورا ضخمة متينة ، أو حياضا تجمعون فيها مياه الأمطار .. (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) أى : عاملين عمل من يرجو الخلود في هذه الحياة الفانية (وَإِذا بَطَشْتُمْ) أى : وإذا أردتم السطو والظلم والبغي على غيركم (بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ).
أى : أخذتموه بعنف وقهر وتسلط دون أن تعرف الرحمة إلى قلوبكم سبيلا.
فأنت ترى أن هودا ـ عليهالسلام ـ قد استنكر على قومه تطاولهم في البنيان بقصد التباهي والعبث والتفاخر ، لا بقصد النفع العام لهم ولغيرهم. كما استنكر عليهم انصرافهم عن العمل الصالح الذي ينفعهم في آخرتهم وانهماكهم في التكاثر من شئون دنياهم حتى لكأنهم مخلدون فيها ، كما استنكر عليهم ـ كذلك ـ قسوة قلوبهم ، وتحجر مشاعرهم ، وإنزالهم الضربات القاصمة بغيرهم بدون رأفة أو شفقة.
وبعد نهيه إياهم عن تلك الرذائل ، أمرهم بتقوى الله وطاعته وشكره على نعمه فقال : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ. وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ. وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
أى : اتركوا هذه الرذائل ، واتقوا الله وأطيعون في كل ما آمركم به. أو أنهاكم عنه ، واتقوا الله ـ تعالى ـ الذي أمدكم بألوان لا تحصى من النعم ، فقد أمدكم بالأنعام ـ وهي الإبل والبقر والغنم ـ التي هي أعز أموالكم ، وأمدكم بالأولاد ليكونوا قوة لكم ، وأمدكم بالبساتين العامرة بالثمار ، وبالعيون التي تنتفعون بمائها العذب.
ثم ختم إرشاده لهم ، ببيان أنه حريص على مصلحتهم ، وأنه يخشى عليهم إذا لم يستجيبوا لدعوته أن ينزل بهم عذاب عظيم في يوم تشتد أهواله ولا تنفعهم فيه أموالهم ولا أولادهم.
وبذلك نرى أن هودا ـ عليهالسلام ـ قد جمع في نصحه لقومه بين الترهيب والترغيب ، وبين الإنذار والتبشير ، وبين التعفف عن دنياهم ، والحرص على مصلحتهم.
ولكن هذه النصائح الحكيمة ، لم يستقبلها قومه استقبالا حسنا ، ولم تجد منهم قبولا ، بل كان ردهم عليه ـ كما حكى القرآن عنهم ـ : (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ ..).
أى : قال قوم هود له بعد أن وعظهم ونصحهم : قالوا له بكل استهتار وسوء أدب : يا هود يستوي عندنا وعظك وعدمه ، ولا يعنينا أن تكون ممن يجيدون الوعظ أو من غيرهم ممن لا يحسنون الوعظ والإرشاد.