قال صاحب الكشاف : فإن قيل : «أوعظت أو لم تعظ» كان أخصر. والمعنى واحد.
قلت : ليس المعنى بواحد وبينهما فرق ، لأن المراد : سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ ، أم لم تكن أصلا من أهله ومباشريه ، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه ، من قولك : أم لم تعظ. (١).
ثم أضافوا إلى قولهم هذا قولا آخر لا يقل عن سابقه في الغرور وانطماس البصيرة فقالوا : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) أى : ما هذا الذي تنهانا عنه من التطاول في البنيان ، ومن اتخاذ المصانع .. إلا خلق آبائنا الأولين ، ومنهجهم في الحياة ، ونحن على آثارهم نسير وعلى منهجهم نمشي.
قال القرطبي ما ملخصه : قرأ أكثر القراء (إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) ـ بضم الخاء واللام ـ أى : عادتهم ودينهم ومذهبهم وما جرى عليه أمرهم ..
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي إلا خلق الأولين ـ بفتح الخاء وإسكان اللام ـ أى : ما هذا الذي جئتنا به يا هود إلا اختلاق الأولين وكذبهم ، والعرب تقول : حدثنا فلان بأحاديث الخلق ، أى : بالخرافات والأحاديث المفتعلة .. (٢).
وعلى كلتا القراءتين فالآية الكريمة تصور ما كانوا عليه من تحجر وجهالة تصويرا بليغا.
ثم انتقلوا بعد ذلك إلى غرور أشد وأشنع فقالوا : (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ).
أى : هذه : حالنا التي ارتضيناها لحياتنا ، وما نحن بمعذبين على هذه الأعمال التي نعملها.
وهكذا رد قوم هود على نبيهم ـ عليهالسلام ـ بهذا الرد السيئ الذي يدل على استهتارهم وجفائهم وجمودهم على باطلهم.
ولذا جاءت نهايتهم الأليمة بسرعة وحسم ، قال ـ تعالى ـ : (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ).
أى : أصر قوم هود على باطلهم وغرورهم فأهلكناهم (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ، فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى ، كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (٣) أهلكهم الله ـ تعالى ـ دون أن تنفعهم أموالهم ، أو قوتهم التي كانوا يدلون بها ويقولون : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً). (٤)
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٢٧.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ١٢٥.
(٣) سورة الحاقة الآية ٦ ، ٧.
(٤) سورة فصلت الآية ١٥.