أما القرآن فقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) وأما الحديث فقوله صلىاللهعليهوسلم : «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».
وأما المعقول : فإن القلب إذا غشى عليه ، لم يحصل له شعور ، وإذا أفاق القلب شعر بجميع ما ينزل بالأعضاء من الآفات. (١).
وقال الآلوسى ما ملخصه : وخص القلب بالإنزال ، قيل للإشارة إلى كمال تعقله صلىاللهعليهوسلم وفهمه ذلك المنزل ، حيث لم تعتبر واسطة في وصوله إلى القلب ..
وقيل للإشارة إلى صلاح قلبه صلىاللهعليهوسلم حيث كان منزلا لكلام الله ـ تعالى ـ .. (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) متعلق بقوله ـ تعالى ـ (نَزَلَ). أى : نزل هذا القرآن باللسان العربي ليكون أوضح في البلاغ والبيان لقومك لأننا لو نزلناه بلسان أعجمى أو بلغة أعجمية لتعللوا بعدم فهمه وقلة إدراكهم لمعناه.
وبذلك نرى أن الله ـ تعالى ـ قد بين لنا مصدر القرآن ، والنازل به ، والنازل عليه ، وكيفية النزول ، وحكمة الإنزال ، واللغة التي نزل بها ، وكل ذلك أدلة من القرآن ذاته على أنه من عند الله ـ تعالى ـ وأنه من كلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن الكتب السماوية السابقة قد ذكرت ما يدل على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي أنزل الله ـ تعالى ـ عليه هذا القرآن فقال ـ تعالى ـ : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ. أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ).
والزبر : جمع زبور ، وهو الكتاب المقصور على الحكم والمواعظ ، كزبور داود. مأخوذ من الزبر بمعنى الزجر. لزجره الناس عن اتباع الباطل.
والمعنى : وإن نعت هذا القرآن الكريم ، ونعت الرسول الذي سينزل عليه هذا القرآن. لموجود في كتب السابقين.
قال الإمام ابن كثير : أخبر ـ تعالى ـ : بأن ذكر هذا القرآن والتنويه به لموجود في كتب الأولين المأثورة عن أنبيائهم ، الذين بشروا به في قديم الدهر وحديثه ، كما أخذ الله عليهم الميثاق بذلك ، حتى قام آخرهم خطيبا في ملئه بالبشارة بأحمد : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٢٩٢.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٩ ص ١٢١.