أن الرأى الأول أنسب بسياق الآيات ، وبانتظام الضمائر ..
ثم بين ـ سبحانه ـ أن نزول العذاب بالمجرمين سيكون مباغتا لهم فقال : (فَيَأْتِيَهُمْ) أى : العذاب (بَغْتَةً) فجأة وعلى غير توقع (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أى : بإتيانه بعد أن يحيط بهم.
وعندئذ يقولون على سبيل التمني والتحسر (هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) أى : ليتنا نمهل قليلا لكي نصلح ما أفسدناه من أقوال وأعمال.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى التعقيب في قوله : (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَيَقُولُوا.) ..
قلت : ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته ، وسؤال النظرة فيه في الوجود ، وإنما المعنى ترتبها في الشدة ، كأنه قيل : لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم للعذاب ، فما هو أشد منها وهو لحوقه بهم مفاجأة ، فما هو أشد منه وهو سؤالهم النظرة.
ومثال ذلك أن تقول لمن تعظه : إذا أسأت مقتك الصالحون ، فمقتك الله ، فإنك ، لا تقصد بهذا الترتيب أن مقت الله يوجد عقيب مقت الصالحين ، وإنما قصدك إلى ترتيب شدة الأمر على المسيء ، وأنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين ، فما هو أشد من مقتهم وهو مقت الله .. (١).
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) للتوبيخ والتهكم بهؤلاء المجرمين. أبلغ الحمق والجهل بهؤلاء المجرمين أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم ، وقالوا لنا : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ).
أى : إن من يستعجل هلاك نفسه ، ويسعى إلى حتفه بظلفه ، لا يكون من العقلاء أبدا.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن ما فيه هؤلاء المجرمون من متاع ونعمة ، سينسونه نسيانا تاما عند ما يمسهم العذاب المعد لهم ، فقال ـ تعالى ـ : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ. ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ).
وقوله : (أَفَرَأَيْتَ) معطوف على قوله : (فَيَقُولُوا ..). والاستفهام للتعجب من أحوالهم.
والمعنى : إن شأن هؤلاء المجرمين لموجب للعجب : إنهم قبل نزول العذاب بهم يستعجلونه ،
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٣٧.