أى : أن هذه الآية الكريمة ، لا تتعارض مع عموم رسالته صلىاللهعليهوسلم للناس جميعا ، لأن المقصود بها : البدء بإنذار عشيرته الأقربين ، ليكونوا أسوة لغيرهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) إرشاد منه ـ سبحانه ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم إلى كيفية معاملته لأتباعه.
وخفض الجناح : كناية عن التواضع. واللين ، والرفق ، في صورة حسية مجسمة ، إذ من شأن الطائر حين يهبط أو حين يضم صغاره إليه أن يخفض جناحه ، كما أن رفع الجناح يطلق على التكبر والتعالي ، ومنه قول الشاعر :
وأنت الشهير بخفض الجنا |
|
ح فلا تك في رفعه أجدلا (١) |
أى : وكن ـ أيها الرسول الكريم ـ متواضعا لين الجانب ، لمن اتبعك من المؤمنين ، ولقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم سيد المتواضعين مع أصحابه ، إلا أن الآية الكريمة تعلم المسلمين في كل زمان ومكان ـ وخصوصا الرؤساء منهم ـ كيف يعامل بعضهم بعضا.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : المتبعون للرسول صلىاللهعليهوسلم هم المؤمنون ، والمؤمنون هم المتبعون للرسول صلىاللهعليهوسلم فما معنى قوله : (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)؟
قلت : فيه وجهان : أن يسميهم قبل الدخول في الإيمان مؤمنين لمشارفتهم ذلك ، وأن يراد بالمؤمنين المصدقين بألسنتهم ، وهم صنفان : صنف صدق الرسول واتبعه فيما جاء به : وصنف ما وجد منه إلا التصديق فحسب. ثم إما أن يكونوا منافقين أو فاسقين ، والمنافق والفاسق لا يخفض لهما الجناح .. (٢).
ويبدو لنا أنه لا داعي إلى هذه التقسيمات التي ذهب إليها صاحب الكشاف ـ رحمهالله ـ ، وأن المقصود بقوله : (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) تأكيد الأمر بخفض الجناح ، وللإشعار بأن جميع أتباعه من المؤمنين ، ومثل هذا الأسلوب كثير في القرآن الكريم ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ.). ومن المعلوم أن الأقوال لا تكون إلا بالأفواه ، وقوله ـ تعالى ـ (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ.). ومن المعروف أن الطائر لا يطير إلا بجناحيه.
ثم بين ـ سبحانه ـ لنبيه كيف يعامل العصاة فقال : (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ).
قال الآلوسى : الظاهر أن الضمير المرفوع في (عَصَوْكَ) عائد على من أمر صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) والأجدل : هو الصقر. أى. فلا تكن شبيها به في القسوة والغلظة.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٤١.