والطير : اسم جنس لكل ما يطير ، ومفردة طائر ، والمراد بالهدهد هنا : طائر معين وليس الجنس.
و (أَمْ) منقطعة بمعنى بل.
أى : وأشرف سليمان ـ عليهالسلام ـ على أفراد مملكته ليعرف أحوالها ، فقال بعد أن نظر في أحوال الطير : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) أى : ما الذي حال بيني وبين رؤية الهدهد ثم تأكد من غيابه فقال بل هو من الغائبين.
قال الآلوسى : «والظاهر أن قوله ـ عليهالسلام ـ ذلك ، مبنى على أنه ظن حضوره ومنع مانع له من رؤيته ، أى : عدم رؤيتي إياه مع حضوره ، لأى سبب؟ الساتر أم لغيره. ثم لاح له أنه غائب ، فأضرب عن ذلك وأخذ يقول : (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) كأنه يسأل عن صحة ما لاح له. فأم هي المنقطعة ، كما في قولهم : إنها لإبل أم شاء ... (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بيان للحكم الذي أصدره سليمان ـ عليهالسلام ـ على الهدهد بسبب غيابه بدون إذن.
أى : لأعذبن الهدهد عذابا شديدا يؤلمه ، أو لأذبحنه ، أو ليأتينى بحجة قوية توضح سبب غيابه. وتقنعنى بالصفح عنه ، وبترك تعذيبه ، أو ذبحه.
فأنت ترى أن سليمان ـ عليهالسلام ـ وهو النبي الملك الحكيم العادل ـ يقيد تعذيب الهدهد أو ذبحه. بعدم إتيانه بالعذر المقبول عن سبب غيابه ، أما إذا أتى بهذا العذر فإنه سيعفو عنه ، ويترك عقابه.
فكأنه ـ عليهالسلام ـ يقول : هذا الهدهد الغائب إما أن أعذبه عذابا شديدا وإما أن أذبحه بعد حضوره ، وإما أن يأتينى بعذر مقبول عن سبب غيابه ، وفي هذه الحالة فأنا سأعفو عنه.
ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما كان من الهدهد ، فقال : (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) أى فمكث الهدهد زمانا غير بعيد من تهديد سليمان له ، ثم أتاه فقال له : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) أى : علمت أشياء أنت لم تعلمها. وابتدأ كلامه بهذه الجملة التي فيها ما فيها من المفاجآت لترغيبه في الإصغاء إليه ، ولاستمالة قلبه لقبول عذره بعد ذلك.
قال صاحب الكشاف : «ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام ، على ما أوتى من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة ، والإحاطة بالمعلومات الكثيرة ، ابتلاء له في علمه ،
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٩ ص ١٨٢.