وصفته بالكرم لاشتماله على الكلام الحكيم ، والأسلوب البديع ، والتوجيه الحسن ، ولجمال هيئته ، وعجيب أمره.
ثم أفصحت عن مصدره فقالت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) وعن مضمونه فقالت : (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وفي ذلك إشارة إلى وصفه بالكرم ، حيث اشتمل على اسم الله ـ تعالى ـ وعلى بعض صفاته ، وعلى ترك التكبر ، وعلى الدخول وعلى الدخول في الدين الحق ، كما يدل عليه قوله ـ تعالى ـ : (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) أى : ألا تتكبروا على كما يفعل الملوك الجبابرة (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) منقادين طائعين لشريعة الله ـ وحده ، التي توجب عليكم إخلاص العبادة له ، دون أحد سواه ، إذ هو ـ سبحانه ـ الخالق لكل شيء ، وكل معبود سواه فهو باطل.
فالكتاب ـ مع إيجازه ـ متضمن لفنون البلاغة. ولمظاهر القوة الحكيمة العادلة ، التي اتبعها سليمان في رسالته إلى ملكة سبأ وقومها.
وبعد أن بلغت حاشيتها بمصدر الكتاب ومضمونه ، استأنفت حديثها فقالت : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) والفتوى : الجواب على المستفتى فيما سأل عنه ، والمراد بها هنا : المشورة وإبداء الرأى.
أى : قالت يا أيها الأشراف والقادة من قومي ، أشيروا على ماذا سأفعل في أمر هذا الكتاب الذي جاءني من سليمان ، والذي يطلب منا فيه ما سمعتم؟
ثم أضافت إلى ذلك قولها : (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) أى : أنتم تعلمون أنى لا أقطع أمرا يتعلق بشئون المملكة إلا بعد استشارتكم ، وأخذ رأيكم.
وفي قولها هذا دليل على حسن سياستها ، ورجاحة عقلها ، حيث جمعت رءوس مملكتها ، واستشارتهم في أمرها ، وأعلمتهم أن هذه عادة مطردة عندها. وبذلك طابت نفوسهم ، وزادت ثقتهم فيها.
فقد قالوا لها : (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) أى : أصحاب قوة في الأجساد ، (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) أى : وأصحاب بلاء شديد في القتال.
(وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) أى : موكول إلى رأيك ، وإلى ما تطمئن إليه نفسك من قرار.
(فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) فتأملى وتفكري فيما تأمريننا به بالنسبة لهذا الكتاب ، فنحن سنطيعك في كل ما تطلبينه منا.
وهنا يحكى لنا القرآن الكريم ما كانت عليه تلك المرأة من دهاء وكياسة ، وإيثار للسلم على الحرب ، واللين على الشدة ، فقال ـ تعالى ـ : (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ) من شأنهم أنهم (إِذا