وفي الكلام حذف يفهم من السياق ، وتقتضيه بلاغة القرآن الكريم والتقدير : وهيأت ملكة سبأ الهدية الثمينة لسليمان ـ عليهالسلام ـ. وأرسلتها مع من اختارتهم من قومها لهذه المهمة ، فلما جاء سليمان ، أى : فلما وصل الرسل إلى سليمان ومعهم هدية ملكتهم إليه.
فلما رآها قال ـ على سبيل الإنكار والاستخفاف بتلك الهدية ـ : (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) أى : أتقدمون إلى هذا المال الزائل والمتمثل في تلك الهدية لأكف عن دعوتكم إلى إتيانى وأنتم مخلصون العبادة لله ـ تعالى ـ وحده. وتاركون لعبادة غيره؟
كلا لن ألتفت إلى هديتكم (فَما آتانِيَ اللهُ) من النبوة والملك الواسع (خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ) من أموال من جملتها تلك الهدية.
فالجملة الكريمة تعليل لإنكاره لهديتهم ، ولاستخفافه بها ، وسخريته منها.
وقوله ـ سبحانه ـ : (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) إضراب عما ذكره من إنكاره لتلك الهدية وتعليله لهذا الإنكار ، إلى بيان ما هم عليه من ضيق في التفكير ، حيث أوهموا أن هذه الهدية ، قد تفيد في صرف سليمان عن دعوتهم إلى وحدانية الله ـ تعالى ـ ، وقد تحمله على تركهم وشأنهم.
أى : افهموا ـ أيها الرسل ـ وقولوا لمن أرسلكم بتلك الهدية : إن سليمان ما آتاه الله من خير ، أفضل مما آتاكم ، وإنه يقول لكم جميعا : انتفعوا أنتم بهديتكم وافرحوا بها ، لأنكم لا تفكرون إلا في متع الحياة الدنيا ، أما أنا ففي غنى عن هداياكم ولا يهمني إلا إيمانكم.
ثم أتبع سليمان ـ عليهالسلام ـ هذا الاستنكار بالتهديد فقال : ـ كما حكى القرآن عنه ـ : (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ).
أى : قال سليمان لمن أرسلته بلقيس بالهدية : عد من حيث أتيت ومعك هديتك.
(فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) أى : فو الله لنأتينهم بجنود لا قدرة لهم على مقاومتهم ، ولا طاقة لهم على قتالهم.
(وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) أى : وو الله لنخرجن هذه الملكة وقومها من بلاد سبأ ، حالة كونهم أذلة ، وحالة كونهم مهزومين مقهورين ، بعد أن كانوا في عزة وقوة.
وعاد الرسل بهديتهم إلى الملكة ، دون أن يهتم القرآن بما جرى لهم بعد ذلك ، لأن القرآن لا يهتم إلا بالجوهر واللباب فيما يقصه من أحداث.
ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما طلبه سليمان ـ عليهالسلام ـ من جنوده فيقول :