وللقيام بأداء ما يكلفهم به. ويقال له : عفريت ، وعفريتة ـ بكسر العين وسكون الفاء ـ.
أى : قال عفريت من الجن لسليمان : أنا آتيك بعرش هذه الملكة ، قبل أن تقوم من مقامك ، أى : قبل أن تقوم من مجلسك هذا الذي تجلس فيه للقضاء بين الناس. أو قبل أن تقف من جلوسك.
(وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) أى : وإنى على حمله وإحضاره من تلك الأماكن البعيدة إليك ، لقوى على ذلك ، بحيث لا يثقل على حمله ، ولأمين على إحضاره دون أن يضيع منه شيء.
وكأن سليمان قد استبطأ إحضاره عرش تلك المملكة في هذه الفترة التي حددها ذلك العفريت القوى ، فنهض جندي آخر من جنوده ، ذكره القرآن بقوله : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ ، أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ). قالوا : والمراد بهذا الذي عنده علم من الكتاب : آصف بن برخيا ، وهو رجل من صلحاء بنى إسرائيل ، آتاه الله ـ تعالى ـ من لدنه علما ، وكان وزيرا لسليمان.
قالوا : وكان يعلم اسم الله الأعظم ، الذي إذا دعى به ـ سبحانه ـ أجاب الداعي ، وإذا سئل به ـ تعالى ـ أجاب السائل.
قيل : المراد به سليمان نفسه ، ويكون الخطاب على هذا العفريت ، فكأنه استبطأ ما قاله العفريت فقال له : ـ على سبيل التحقير ـ أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك.
وقيل : المراد به جبريل. والأول هو المشهور عند المفسرين.
أى : قال الرجل الذي عنده علم من كتاب الله ـ تعالى ـ يا سليمان أنا آتيك بعرش بلقيس ، قبل أن تغمض عينك وتفتحها ، وهو كناية عن السرعة الفائقة في إحضاره.
وفي ذلك ما فيه من الدلالة على شرف العلم وفضله وشرف حامليه وفضلهم وأن هذه الكرامة التي وهبها الله ـ تعالى ـ لهذا الرجل ، كانت بسبب ما آتاه ـ سبحانه ـ من علم.
وجاء عرش الملكة لسليمان من بلاد اليمن إلى بلاد الشام ، بتلك السرعة الفائقة (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) أى : فلما رأى سليمان العرش المذكور حاضرا لديه ، وكائنا بين يديه ... لم يغتر ولم يتكبر ، ولم يأخذه الزهو والعجب. بل قال ـ كما حكى القرآن عنه ـ : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ).
أى : قال سليمان : هذا الذي أراه من إحضار العرش بتلك السرعة من فضل ربي وعطائه ، لكي يمتحننى أأشكره على نعمه أم أجحد هذه النعم.