يا إلهى ـ أنهم كذبوا ما جئتهم به من عندك.
وجاءت الاستجابة من الله ـ تعالى ـ لهذا النبي ، كما جاءت لأخيه نوح من قبله ، ويحكى القرآن ذلك فيقول : (قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ).
أى : قال الله ـ عزوجل ـ لنبيه : لقد أجبنا دعاءك أيها النبي الكريم ، وبعد وقت قليل من الزمان. ليصبحن نادمين أشد الندم على أقوالهم الباطلة ، وأفعالهم القبيحة ، ولكن هذا الندم لن ينفعهم لأنه جاء في غير أوانه.
والجار والمجرور في قوله (عَمَّا قَلِيلٍ) متعلق بقوله : (لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) أى : ليصبحن عن زمن قليل نادمين ، و «عن» هنا بمعنى بعد ، و «ما» جيء بها لتأكيد معنى القلة.
وأكد ـ سبحانه ـ قوله (لَيُصْبِحُنَ) بلام القسم ونون التوكيد ، لبيان أن هذا الوعيد آت لا ريب فيه ، وفي وقت قريب.
وجاء الوعيد فعلا. وأخبر ـ سبحانه ـ عن ذلك فقال : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ ..). أى : فأهلكناهم إهلاكا تامّا ، بالصيحة التي صاحها بهم جبريل ـ عليهالسلام ـ حيث صاح بهم مع الريح العاتية التي أرسلها الله عليهم فدمروا تدميرا.
وذكر ـ سبحانه ـ هنا الصيحة فقط مع أن قوم هود قد أهلكوا بها وبالريح الصرصر العاتية للإشعار بأن إحدى هاتين العقوبتين لو انفردت كافية لإهلاكهم ، فقد قال ـ سبحانه ـ في شأن الريح التي أرسلها عليهم : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (١).
وقوله (بِالْحَقِ) حال من الصيحة ، وهو متعلق بمحذوف ، والتقدير ، فأخذتهم الصيحة حالة كونها بالعدل الذي لا ظلم معه ، وإنما هم الذين ظلموا أنفسهم بتكذيبهم لنبيهم.
وقوله سبحانه ـ : (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) بيان لمصيرهم الأليم. والغثاء : الرميم الهامد الذي يحمله السيل من ورق الشجر وغيره ، يقال : غثا الوادي يغثو إذا كثر غثاؤه.
أى : فصيرناهم هلكى هامدين كغثاء السيل البالي ، الذي اختلط بزبده ، فهلاكا وبعدا لهؤلاء القوم الظالمين ، كما هلك وبعد من قبلهم قوم نوح ـ عليهالسلام ـ.
__________________
(١) سورة الأحقاف الآية ٢٥.