أحد من بنى آدم .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلُوطاً ..). منصوب بفعل مضمر محذوف ، والتقدير : واذكر ـ أيها العاقل ـ وقت أن أرسلنا لوطا إلى قومه. فقال لهم على سبيل الزجر والتوبيخ :
(أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) أى : أتأتون الفاحشة التي لم يسبقكم إليها أحد ، وهي إتيان الذكور دون الإناث ، وأنتم تبصرون بأعينكم أنها تتنافى مع الفطرة السوية حتى بالنسبة للحيوان الأعجم فأنتم ترون وتشاهدون أن الذكر من الحيوان لا يأتى الذكر ، وإنما يأتى الأنثى ، حيث يتأتى عن طريقها التوالد والتناسل وعمارة الكون.
فقوله ـ سبحانه ـ : (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) جملة حالية المقصود بها زيادة تبكيتهم وتوبيخهم ، لأنهم يشاهدون تنزه الحيوان عنها ، كما يعلمون سوء عاقبتها ، وسوء عاقبة الذين خالفوا أنبياءهم من قبلهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ ..). تأكيد للإنكار السابق ، وتوضيح للفاحشة التي كانوا يأتونها.
والإتيان : كناية عن الاستمتاع والجماع ، مأخوذ من أتى المرأة إذا جامعها.
أى : أإنكم ـ أيها الممسوخون في فطرتكم وطبائعكم ـ لتصبون شهوتكم التي ركبها الله ـ تعالى ـ فيكم في الرجال دون النساء اللاتي جعلهن الله ـ تعالى ـ محل شهوتكم ومتعتكم.
قال الآلوسى : والجملة الكريمة تثنية للإنكار ، وبيان لما يأتونه من الفاحشة بطريق التصريح بعد الإبهام وتحلية الجملة بحرفى التأكيد ، للإيذان بأن مضمونها مما لا يصدق وقوعه أحد ، لكمال شناعته ، وإيراد المفعول بعنوان الرجولية دون الذكورية ، لزيادة التقبيح والتوبيخ .. (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) إضراب عن الإنكار إلى الإخبار عن الأسباب التي جعلتهم يرتكبون هذه القبائح ، وهي أنهم قوم دينهم الجهل والسفاهة والمجون وانطماس البصيرة.
وقد حكى القرآن أن لوطا قد قال لهم في سورة الأعراف : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ). وقال لهم في سورة الشعراء : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) وقال لهم هنا : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ومجموع الآيات يدل على أنهم كانوا مصابين بفساد العقل ، وانحراف الفطرة ،
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ، ص ٢٣٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٩ ، ص ٢١٦.