المرأة ، وهو عجزها ، والجمع أرادف .. وترادف القوم : إذا تتابعوا ، وكل شيء تبع شيئا فهو ردفه. (١).
أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ لا نتعجلوا العذاب فعسى ما تستعجلونه من عذاب ، بعضه قد لحقكم ونزل بكم ، وبعضه في طريقه إليكم ، وأنتم لا تشعرون بذلك ، لشدة غفلتكم ، وتبلد مشاعركم.
والتعبير بقوله : (رَدِفَ لَكُمْ) يشعر بأن العذاب ليس بعيدا عنهم ، وإنما هو قريب منهم ، كقرب الراكب فوق الدابة ممن هو ردفه ـ أى خلفه ـ عليها.
ولقد لحقهم شيء من هذا العذاب الذي تعجلوه في مكة ، عند ما أصيبوا بالقحط والجدب ، ولحقهم شيء منه بعد ذلك في بدر ، عند ما قتل المسلمون أكثر زعمائهم ، كأبى جهل ، وغيره .. ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض مظاهر فضله على الناس ، فقال : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ).
أى : وإن ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ لذو فضل عظيم ، وإنعام كبير على الناس. ومن مظاهر ذلك : أنه لم يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وعصيانهم ، ولكن أكثر هؤلاء الناس لا يشكرونه ـ سبحانه ـ على فضله وإنعامه.
والتعبير «بأكثر» للإشعار بأن هناك قلة مؤمنة من الناس ، ملازمة لشكر الله ـ تعالى ـ في السراء والضراء ، والعسر واليسر.
ثم بين ـ سبحانه ـ شمول علمه لكل شيء فقال : (وَإِنَّ رَبَّكَ) ـ أيها الرسول الكريم ـ (لَيَعْلَمُ) علما تاما (ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) أى : ما تخفيه وتستره صدورهم من أسرار ، ويعلم ـ أيضا ـ (ما يُعْلِنُونَ) أى : ما يظهرونه من أقوال وأفعال.
(وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أى : وما من شيء غائب عن علم الخلق سواء أكان في السماء أو في الأرض.
(إِلَّا) وهو عندنا (فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أى : إلا وهو عندنا في كتاب واضح لمن يطالعه بإذن ربه ، وهذا الكتاب المبين هو اللوح المحفوظ الذي سجل ـ سبحانه ـ فيه أحوال خلقه.
ومادام الأمر كذلك ، فلا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ لما عليه هؤلاء المشركون من
__________________
(١) المصباح المنير ج ١ ص ٣٠٦.