فقدوا السمع ، وبالعمى الدين فقدوا البصر ، وذلك لأنهم لم ينتفعوا بهذه الحواس ، فصاروا كالفاقدين لها.
أى : دم ـ أيها الرسول الكريم ـ على توكلك على الله ـ تعالى ـ وحده ، وإنك لا تستطيع أن تسمع هؤلاء المشركين. ما يردهم عن شركهم ، لأنهم كالموتى الذين لا حس لهم ولا عقل ، ولأنهم كالصم الذين فقدوا نعمة السمع.
وقوله : (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) لتتميم التشبيه. وتأكيد نفى السماع. أى : إذا أعرضوا عن الحق إعراضا تاما ، وأدبروا عن الاستماع إليك.
قال الجمل : فإن قلت : ما معنى قوله (مُدْبِرِينَ) والأصم لا يسمع سواء أقبل أو أدبر؟.
قلت : هو تأكيد ومبالغة للأصم. وقيل : إن الأصم إذا كان حاضرا قد يسمع رفع الصوت ، أو يفهم بالإشارة ، فإذا ولى لم يسمع ولم يفهم.
ومعنى الآية : إنهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كالميت ، الذي لا سبيل إلى إسماعه ، وكالأصم الذي لا يسمع ولا يفهم .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ.). أى : وما أنت ـ أيها الرسول الكريم ـ بقادر على أن تصرف العمى عن طريق الضلال الذي انغمسوا فيه ، لأن الهداية الى طريق الحق ، مردها إلى الله ـ تعالى ـ وحده.
ثم بين ـ سبحانه ـ في مقابل ذلك ، من هم أهل السماع والبصر فقال : (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ).
أى : أنت ـ أيها الرسول الكريم ـ ما تستطيع أن تسمع إسماعا مجديا نافعا ، إلا لمن يؤمن بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، لأن هؤلاء هم المطيعون لأمرنا ، المسلمون وجوههم لنا.
وبذلك ترى الآيات الكريمة قد ساقت الكثير من وسائل التسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من المشركين ، كما ساقت ما يدل على أن هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ : وعلى أنه ـ سبحانه ـ هو الحكم العدل بين عباده.
ثم أخذت السورة الكريمة تسوق في أواخرها بعض أشراط الساعة وعلاماتها ، وأهوالها ، لكي تعتبر النفوس ، وتخشع لله ـ تعالى ـ ، فقال ـ عزوجل ـ :
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٣٢٦.