أى : ونفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ـ تعالى ـ لهم عدم الفزع والخوف.
والمراد بهؤلاء الذين لا يفزعون ، قيل : الأنبياء ، وقيل : الشهداء ، وقيل : الملائكة.
ولعل الأنسب أن يكون المراد ما يعم هؤلاء السعداء وغيرهم ، ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه ، لأنه لم يرد نص صحيح يحددهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) أى : وكل واحد من هؤلاء الفزعين المبعوثين عند النفخة ، أتوا إلى موقف الحشر ، للوقوف بين يدي الله ـ تعالى ـ (داخِرِينَ) أى : صاغرين أذلاء.
يقال : دخر فلان ـ كمنع وفرح ـ دخرا ودخورا. إذا صغر وذل.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ.). معطوف على قوله ـ سبحانه ـ قبل ذلك : (يُنْفَخُ فِي الصُّورِ).
أى : في هذا اليوم الهائل الشديد ، يفزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، وترى الجبال الراسيات الشامخات ، (تَحْسَبُها جامِدَةً) أى ثابتة في أماكنها ، والحال أنها تمر في الجو مر السحاب ، الذي تسيره الرياح سيرا حثيثا.
وهكذا تصور الآيات الكريمة أهوال ذلك اليوم هذا التصوير البديع المعجز المؤثر ، فالناس جميعا ـ إلا من شاء الله ـ فزعون وجلون ، والجبال كذلك كأنها قد أصابها ما أصاب الناس ، حتى لكأنها ـ وهي تسرع الخطا ـ. السحاب في خفته ومروقه وتناثره ، ثم يعقب ـ سبحانه ـ على كل ذلك بقوله (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ).
ولفظ (صُنْعَ) يجوز أن يكون منصوبا على الإغراء أى : انظروا صنع الله ـ تعالى ـ الذي أتقن كل شيء فقد أحسن ـ سبحانه ـ ما خلقه وأحكمه ، وجعله في أدق صورة ، وأكمل هيئة ، وصدق الله ـ تعالى ـ إذ يقول (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً).
قال صاحب فتح القدير : وانتصاب «صنع» على المصدرية ، أى : صنع الله ذلك صنعا. وقيل هو مصدر مؤكد لقوله : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) وقيل منصوب على الإغراء (١).
وجملة : (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) تعليل لما قبله. أى : صنع الله ما خلقه على هذا
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٤ ص ١٥٥ للشوكانى.