قالوا : وإنما كان فرعون يذبح الذكور من بنى إسرائيل دون الإناث ، لأن الكهنة أخبروه ، بأن مولودا سيولد من بنى إسرائيل ، يكون ذهاب ملك فرعون على يده.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) تعليل وتأكيد لما كان عليه فرعون من تجبر وطغيان.
أى : إن فرعون كان من الراسخين في الفساد والإفساد ، ولذلك فعل ما فعل من ظلم لغيره ، ومن تطاول جعله يقول للناس : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما اقتضته إرادته وحكمته ، من تنفيذ وعيده في القوم الظالمين ، مهما احتاطوا وحذروا ، ومن إنقاذه للمظلومين بعد أن أصابهم من الظلم ما أصابهم فقال : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ، وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ، وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ).
وقوله (نَمُنَ) من المن بمعنى التفضل ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ..). أى : لقد تفضل عليهم ، وأحسن إليهم.
وقوله : (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) من التمكين ، وأصله : أن نجعل للشيء مكانا يستقر فيه ، ويحل به. ثم استعير للتسليط وللحصول على القوة بعد الضعف ، وللعز بعد الذل.
وقوله : (يَحْذَرُونَ) من الحذر ، بمعنى الاحتراس والاحتراز من الوقوع في الأمر المخيف. يقال : حذر فلان فلانا ، إذا خافه واحترس منه.
قال الشوكانى : والواو ، في قوله (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَ) للعطف على جملة ، (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) لأن بينهما تناسبا من حيث إن كل واحدة منهما ، للتفسير والبيان للنبأ. ويجوز أن تكون حالا من فاعل (يَسْتَضْعِفُ) بتقدير مبتدأ. أى : ونحن نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض .. والأول أولى (١).
والمعنى : لقد طغا فرعون وبغى ، ونحن بإرادتنا وقدرتنا (نُرِيدُ أَنْ نَمُنَ) ونتفضل على بنى إسرائيل ، الذين استضعفوا في الأرض ، بأن ننجيهم من ظلمه ، وننقذهم من قهره وبغيه.
(وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) للأرض المباركة ، التي نعطيهم إياها متى آمنوا وأصلحوا ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها ، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا ، وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٤ ص ١٥٩.