والحزن : غم يلحقه لشيء وقع ، فنهيت عنهما جميعا وأومنت بالوحي إليها ، ووعدت بما يسليها ، ويطمئن قلبها ، ويملؤها غبطة وسرورا ، وهو رده إليها. وجعله من المرسلين .. (١).
وهكذا نجد الآية الكريمة قد اشتملت على أبلغ الأساليب وأبدعها ، في بيان قدرة الله ـ تعالى ـ ورعايته لمن يريد رعايته.
قالوا : مدح الأصمعى امرأة لإنشادها شعرا حسنا ، فقرأت هذه الآية الكريمة ثم قالت له : أبعد هذه الآية فصاحة ، لقد اشتملت على أمرين وهما (أَرْضِعِيهِ فَأَلْقِيهِ) ونهيين وهما (لا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) وخبرين (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) وبشارتين في ضمن الخبرين وهما : الرد والجعل المذكوران.
والفاء في قوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً.). هي الفصيحة.
والالتقاط : وجود الشيء والحصول عليه من غير طلب ولا قصد.
والمراد بآل فرعون : جنوده وأتباعه الذين عثروا على التابوت الذي به موسى ، وحملوه إلى فرعون. والحزن ـ بالتحريك ، وبضم فسكون ـ نقيض السرور ، وفعله كفرح.
يقال : حزنه الأمر وأحزنه. أى : جعله حزينا.
واللام في قوله : (لِيَكُونَ ..). هي لام العاقبة والصيرورة.
قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) لما كان التقاطهم إياه يؤدى إلى كونه عدوا لهم وحزنا ، فاللام في (لِيَكُونَ) لام العاقبة والصيرورة ، لأنهم إنما أخذوه ليكون لهم قرة عين ، فكان عاقبة ذلك أن كان لهم عدوا وحزنا ، فذكر الحال بالمآل كما في قول الشاعر :
وللمنايا تربى كل مرضعة |
|
ودورنا لخراب الدهر نبنيها |
أى : فعاقبة البناء : الخراب ، وإن كان في الحال مفروحا به (٢).
ويرى بعضهم أن اللام هنا يصح أن تكون للتعليل ، بمعنى ، أن الله ـ تعالى ـ سخر بمشيئته وإرادته فرعون وآله. لالتقاط موسى ، ليجعله لهم عدوا وحزنا ، فكأنه ـ سبحانه ـ يقول : قدرنا عليهم التقاطه بحكمتنا وإرادتنا ، ليكون لهم عدوا وحزنا.
إلى هذا المعنى أشار الإمام ابن كثير بقوله : قال محمد بن إسحاق وغيره اللام هنا لام العاقبة لا لام التعليل ، لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك ـ أى : لم يريدوا بالتقاطه العداوة
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٩٣.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ٢٥٢.