والحزن ـ ، ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضى ما قالوا. ولكن إذا نظرنا إلى معنى السياق ، فإنه تبقى اللام للتعليل ، لأن معناه : أن الله ـ تعالى ـ قيضهم لالتقاطه ليجعله لهم عدوا وحزنا ، فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه (١).
ومع وجاهة الرأيين ، إلا أننا نميل إلى الرأى الثاني ، لأنه ـ كما قال الإمام ابن كثير ـ أبلغ في إبطال حذرهم منه ، ولأن قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) يشير إلى أن اللام للتعليل ..
والمعنى : ونفذت أم موسى ما أوحيناه إليها ، فأرضعت ابنها موسى. وألقته في اليم حين خافت عليه القتل ، فالتقطه آل فرعون من اليم ، ليكون لهم عدوا وحزنا ، وليعلموا أن ما أردناه لا بد أن يتم مهما احترسوا واحتاطوا وحذروا ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) تعليل لما قبله ، و (خاطِئِينَ) أى : مرتكبين للخطيئة التي هي الذنب العظيم ، كقوله ـ تعالى ـ في قوم نوح ـ عليهالسلام ـ : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً ...).
وكقوله ـ سبحانه ـ في شأن الكافرين (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ. فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢).
أى : فعلنا ما فعلنا من جعل موسى عدوا وحزنا لفرعون وآله ، لأن فرعون ووزيره هامان ، وجنودهما الذين يناصرونهما ، كانوا مرتكبين للذنوب العظيمة في كل ما يأتون ويذرون ، ومن مظاهر ذلك قتلهم لذكور بنى إسرائيل ، وإبقاؤهم لإناثهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ، لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ..). بيان لما أنطق الله به امرأة فرعون للدفاع عن موسى ـ عليهالسلام ـ.
قال الجمل : وامرأة فرعون هي : آسيا بنت مزاحم ، وكانت من خيار النساء ، ومن بنات الأنبياء ، وكانت أما للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم (٣).
ويكفى في مدحها قوله ـ تعالى ـ : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ : رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ، وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٣٧.
(٢) سورة البقرة الآية ٨١.
(٣) حاشية الجمل في الجلالين ج ٣ ص ٣٣٧.
(٤) سورة التحريم آية ١١.