(فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ، إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) والردء : العون والنصير.
يقال : ردأته على عدوه وأردأته ، إذا أعنته عليه. وردأت الجدار إذا قويته بما يمنعه من أن ينقض.
أى : فأرسل أخى هارون معى إلى هؤلاء القوم ، لكي يساعدني ويعينني على تبليغ رسالتك. ويصدقني فيما سأدعوهم إليه ، ويخلفني إذا ما اعتدى على. (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) إذا لم يكن معى أخى هارون يعينني ويصدقني.
والمتأمل في هذا الكلام الذي ساقه الله ـ تعالى ـ على لسان موسى ـ عليهالسلام ـ يرى فيه إخلاصه في تبليغ رسالة ربه ، وحرصه على أن يؤتى هذا التبليغ ثماره الطيبة على أكمل صورة ، وأحسن وجه.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت تصديق أخيه ما الفائدة فيه؟
قلت : ليس الغرض بتصديقه أن يقول له صدقت ، أو يقول للناس صدق أخى ، وإنما هو أن يلخص بلسانه الحق ، ويبسط القول فيه ، ويجادل به الكفار كما يصدق القول بالبرهان. وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لذلك ، لا لقوله : صدقت ، فإن سحبان وباقلا يستويان فيه (١).
ثم حكى القرآن بعد ذلك ، أن الله ـ تعالى ـ قد أجاب لموسى رجاءه فقال : (قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ).
شد العضد : كناية عن التقوية له ، لأن اليد تشتد وتقوى ، بشدة العضد وقوته. وهو من المرفق إلى الكتف.
أى قال ـ سبحانه ـ لقد استجبنا لرجائك يا موسى ، وسنقويك ونعينك بأخيك (وَنَجْعَلُ لَكُما) بقدرتنا ومشيئتنا (سُلْطاناً) أى : حجة وبرهانا وقوة تمنع الظالمين (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) بأذى ولا يتغلبان عليكما بحجة.
وقوله (بِآياتِنا) متعلق بمحذوف. أى : فوضا أمركما إلى ، واذهبا إلى فرعون وقومه بآياتنا الدالة على صدقكما.
وقوله ـ تعالى ـ : (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) مؤكد لمضمون ما قبله. من تقوية قلب موسى ، وتبشيره بالغلبة والنصر على أعدائه.
أى : أجبنا طلبك يا موسى ، وسنقويك بأخيك ، فسيرا إلى فرعون وقومه ، فسنجعل لكما
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤١٠.