وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هذه الدنيا وما فيها من متاع ، هي شيء زهيد وضئيل بالنسبة لما ادخره ـ عزوجل ـ لعباده الصالحين من خيرات ، فقال : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها).
أى : وما أعطيتموه ـ أيها الناس ـ من خير ، وما أصبتموه من مال فهو متاع زائل من أعراض الحياة الدنيا الزائلة وحطامها الذي لا دوام له ، ومهما كثر فهو إلى نفاد ، ومهما طال فله نهاية ، فأنتم تتمتعون بزينة الحياة الدنيا ثم تتركونها لغيركم.
(وَما عِنْدَ اللهِ) ـ تعالى ـ من ثواب وعطاء جزيل في الآخرة ، هو في نفسه (خَيْرٌ وَأَبْقى) لأن لذته خالصة من الشوائب والأكدار وبهجته لا تنتهي ولا تزول.
(أَفَلا تَعْقِلُونَ) هذه التوجيهات الحكيمة ، وتعملون بمقتضاها ، فإن من شأن العقلاء أن يؤثروا الباقي على الفاني ، والذي هو خير على الذي هو أدنى.
ثم نفى ـ سبحانه ـ التسوية بين أهل الجنة وأهل النار بأبلغ أسلوب فقال : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ ، كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا).
فالاستفهام للإنكار ونفى المساواة بين الفريقين ، والمراد بالوعد : الموعود به وهو الجنة ونعيمها.
أى : إنه لا يستوي في عرف أى عاقل ، حال المؤمنين الذين وعدناهم وعدا حسنا بالجنة ونعيمها ، وهم سيظفرون بما وعدناهم به لا محالة ، وحال أولئك الكافرين والفاسقين الذين متعناهم إلى حين بمتاع الدنيا الزائلة.
وقوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) معطوف على (مَتَّعْناهُ) وداخل معه في حيز الصلة ، ومؤكد لإنكار المساواة.
أى : ثم هو هذا الذي متعناه بمتاع الحياة الدنيا الزائل ، من المحضرين لعذابنا في النار ، والمحضرين : جمع محضر. اسم مفعول من أحضره.
وهذا التعبير يشعر بإحضاره إلى النار وهو مكره خائف ، من العذاب المهين الذي أعدّ له ، فالآية الكريمة قد نفت بأبلغ أسلوب ـ المساواة بين المؤمنين والكافرين.
* * *