يقولون بعد أن رأوا هلاكه : (وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) أى : صاروا يقولون ما أعجب قدرة الله ـ تعالى ـ في إعطائه الرزق لمن يشاء من عباده وفي منعه عمن يشاء منهم ، وما أحكمها في تصريف الأمور ، وما أشد غفلتنا عند ما تمنينا أن نكون مثل قارون ، وما أكثر ندمنا على ذلك.
لو لا أن الله ـ تعالى ـ قد منّ علينا ، بفضله وكرمه لخسف بنا الأرض كما خسفها بقارون وبداره.
(وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) أى : ما أعظم حكمة الله ـ تعالى ـ في إهلاكه للقوم الكافرين ، وفي إمهاله لهم ثم يأخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر.
ثم ختم ـ سبحانه ـ قصة قارون ببيان سنة من سننه التي لا تتخلف فقال : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً).
واسم الإشارة (تِلْكَ) مبتدأ ، والدار الآخرة صفة له ، ونجعلها .. خبره ، وجاءت الإشارة بهذه الصيغة المفيدة للبعد ، للإشعار بعظم هذه الدار وعلو شأنها.
أى : تلك الدار الآخرة وما فيها من جنات ونعيم ، نجعلها خالصة لعبادنا الذين لا يريدون بأقوالهم ولا بأفعالهم (عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) أى : تطاولا وتعاليا فيها (وَلا فَساداً) أى : ظلما أو بغيا أو عدوانا على أحد.
(وَالْعاقِبَةُ) الطيبة الحسنة ، إنما هي (لِلْمُتَّقِينَ) الذين صانوا أنفسهم عن كل سوء وقبيح.
(مَنْ جاءَ) في دنياه (بِالْحَسَنَةِ) أى بالأعمال الحسنة (فَلَهُ) في مقابلها عندنا بفضلنا وإحساننا (خَيْرٌ مِنْها) أى : فله عندنا خير مما جاء به من حسنات ، بأن نضاعفها ، وتثيبه عليها ثوابا عظيما لا يعلم مقداره أحد.
(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ ، فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا) الأعمال (السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أى : فلا يجزون إلا الجزاء الذي يناسب أعمالهم في القبح والسوء.
وهكذا يسوق لنا القرآن في قصصه العبر والعظات ، لقوم يتذكرون ، فمن قصة قارون نرى أن كفران النعم يؤدى إلى زوالها ، وأن الغرور والبغي والتفاخر كل ذلك يؤدى إلى الهلاك ، وأن خير الناس من يبتغى فيما آتاه الله من نعم ثواب الآخرة ، دون أن يهمل نصيبه من الدنيا ، وأن العاقل هو من يستجيب لنصح الناصحين ، وأن الناس في كل زمان ومكان ، منهم الذين يريدون زينة الحياة الدنيا ، ومنهم الأخيار الأبرار الذين يفضلون ثواب الآخرة ، على