أى. تمادى قارون في بغيه ، ولم يستمع لنصح الناصحين ، فغيبناه في الأرض هو وداره ، وأذهبناهما فيها إذهابا تاما.
(فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) أى : فما كان لقارون من جماعة أو عصبة تنصره من عذاب الله ، بأن تدفعه عنه ، أو ترحمه منه.
(وَما كانَ) قارون (مِنَ المُنْتَصِرِينَ) بل كان من الأذلين الذين تلقوا عقوبة الله ـ تعالى ـ باستسلام وخضوع وخنوع ، دون أن يستطيع هو أو قومه رد عقوبة الله ـ تعالى ـ.
ثم ـ بين ـ سبحانه ـ ما قاله الذين كانوا يتمنون أن يكونوا مثل قارون فقال ـ تعالى ـ : (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ ، لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا ، وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ).
ولفظ «وى» اسم فعل بمعنى أعجب ، ويكون ـ أيضا ـ للتحسر والتندم ، وكان الرجل من العرب إذا أراد أن يظهر ندمه وحسرته على أمر فائت يقول : وى.
وقد يدخل هذا اللفظ على حرف «كأن» المشددة ـ كما في الآية ـ وعلى المخففة.
قال الجمل ما ملخصه قوله : (وَيْكَأَنَّ اللهَ) في هذا اللفظ مذاهب : أحدها : أن وى كلمة برأسها ، وهي اسم فعل معناها أعجب ، أى : أنا ، والكاف للتعليل ، وأن وما في حيزها مجرورة بها ، أى : أعجب لأن الله ـ تعالى ـ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر .. وقياس هذا القول أن يوقف على «وى» وحدها ، وقد فعل ذلك الكسائي.
الثاني : أن كأن هنا للتشبيه إلا أنه ذهب معناه وصارت للخبر واليقين ، وهذا ـ أيضا يناسبه الوقف على وى.
الثالث : أن «ويك» كلمة برأسها ، والكاف حرف خطاب ، و «أن» معمولة لمحذوف. أى : أعلم أن الله يبسط .. وهذا يناسب الوقف على ويك وقد فعله أبو عمرو.
الرابع : أن أصل الكلمة ويلك ، فحذفت اللام وهذا يناسب الوقف على الكاف ـ أيضا ـ كما فعل أبو عمرو.
الخامس : أن (وَيْكَأَنَ) كلها كلمة مستقلة بسيطة ومعناها : ألم تر .. ولم يرسم في القرآن إلا (وَيْكَأَنَ) ويكأنه متصلة في الموضعين .. ووصل هذه الكلمة عند القراءة لا خلاف بينهم فيه.
والمعنى : وبعد أن خسف الله ـ تعالى ـ الأرض بقارون ومعه داره ، أصبح الذين تمنوا أن يكونوا مثله (بِالْأَمْسِ) أى : منذ زمان قريب ، عند ما خرج عليهم في زينته ، أصبحوا