هكذا قال الذين يريدون الحياة الدنيا. وهم الفريق الأول من قوم قارون. أما الفريق الثاني المتمثل في أصحاب الإيمان القوى ، والعلم النافع ، فقد قابلوا أصحاب هذا القول بالزجر والتعنيف ، وقد حكى القرآن ذلك عنهم فقال : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ، ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ).
وكلمة (وَيْلَكُمْ) أصلها الدعاء بالهلاك ، وهي منصوبة بمقدر. أى : ألزمكم الله الويل.
ثم استعملت في الزجر والتعنيف والحض على ترك ما هو قبيح ، وهذا الاستعمال هو المراد هنا.
أى : وقال الذين أوتوا العلم النافع من قوم قارون. لمن يريدون الحياة الدنيا : كفوا عن قولكم هذا ، واتركوا الرغبة في أن تكونوا مثله ، فإن (ثَوابُ اللهِ) في الآخرة (خَيْرٌ) مما تمنيتموه ، وهذا الثواب إنما هو (لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) فلا تتمنوا عرض الدنيا الزائل.
وهذه المثوبة العظمى التي أعدها الله ـ تعالى ـ لمن آمن وعمل صالحا (وَلا يُلَقَّاها) أى : لا يظفر بها ، ولا يوفق للعمل لها (إِلَّا الصَّابِرُونَ) على طاعة الله ـ تعالى ـ وعلى ترك المعاصي والشهوات.
قال صاحب الكشاف : والراجع في (وَلا يُلَقَّاها) للكلمة التي تكلم بها العلماء ، أو للثواب ، لأنه في معنى المثوبة أو الجنة ، أو للسيرة والطريقة وهي الإيمان والعمل الصالح (١).
ثم جاءت بعد ذلك العقوبة لقارون ، بعد أن تجاوز الحدود في البغي والفخر والإفساد في الأرض. وقد حكى سبحانه ـ هذه العقوبة في قوله : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ).
وقوله ـ تعالى ـ (فَخَسَفْنا) من الخسف وهو النزول في الأرض ، يقال : خسف المكان خسفا ـ من باب ضرب ـ إذا غار في الأرض. ويقال : خسف القمر ، إذا ذهب ضوؤه ، وخسف الله بفلان الأرض ، إذا غيبه فيها.
قال ابن كثير لما ذكر الله ـ تعالى ـ اختيال قارون في زينته ، وفخره على قومه وبغيه عليهم ، عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض ، كما ثبت في الصحيح ـ عند البخاري من حديث الزهري عن سالم ـ أن أباه حدثه : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به ، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة» (٢).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٣٢.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٦٦.