ثم بين ـ سبحانه ـ عند ما ينزل بهم العذاب فقال : (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ).
وحتى هنا : ابتدائية ، أى : حرف تبتدئ بعده الجمل ، وجملة (إِذا أَخَذْنا) شرطية. وجوابها (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ).
والجؤار : الصراخ مطلقا ، أو باستغاثة. يقال : جأر الثور يجأر إذا صاح.
وجأر الداعي إلى الله ، إذا ضج ورفع صوته بالتضرع إلى الله عزوجل.
أى : حتى إذا عاقبنا هؤلاء المترفين الذين أبطرتهم النعمة. بالعذاب الذي يردعهم ويخزيهم ويذلهم ، إذا هم يجأرون إلينا بالصراخ وبالاستغاثة.
وعبر عن عقابهم ، بالأخذ ، للإشعار بسرعة هذا العقاب وشدته ، كما في قوله ـ تعالى ـ (... أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (١).
وخص المترفين بالذكر ، للإشارة إلى أن ما كانوا فيه من التنعم والتمتع والتطاول في الدنيا ، لن ينفعهم شيئا عند نزول هذا العذاب بهم.
وقوله ـ سبحانه ـ (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) تأنيب وزجر لهم على جؤارهم وصراخهم. والمراد باليوم. الوقت الذي فيه نزل العذاب بهم.
أى : عند ما أخذناهم بالعذاب المباغت المفاجئ ، وضجوا بالاستغاثة والجؤار ، قلنا لهم على سبيل التقريع والزجر : لا تجأروا ولا تصرخوا في هذا الوقت الذي أصابكم ما أصابكم فيه من عذاب. فإنكم لن تجدوا من ينجيكم من عذابنا ، أو من يدفع عنكم هذا العذاب ..
ثم بين ـ سبحانه ـ الأسباب التي أفضت بهم إلى هذا العذاب المهين ، فقال ـ تعالى ـ : (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ ...).
والأعقاب : جمع عقب ، وهو مؤخر القدم و (تَنْكِصُونَ) من النكوص ، وهو الرجوع إلى الخلف. يقال : فلان نكص على عقبيه ، إذا رجع إلى الوراء ، وهو هنا كناية عن الإعراض عن الآيات.
أى : لا تجأروا ولا تصرخوا ، فإن ذلك لن يفيدكم شيئا ، بسبب إصراركم على كفركم في حياتكم الدنيا ، فقد كانت آياتي الدالة على وحدانيتي تتلى على مسامعكم من نبينا صلىاللهعليهوسلم ومن المؤمنين به ، فكنتم تعرضون عن سماعها أشد الإعراض ، وكنتم تستهزءون بها ، وتكادون تسطون بالذين يتلونها عليكم.
__________________
(١) سورة الأنعام آية ٤٤.