فالجملة الكريمة تحضهم على تدبر هذا القرآن ، لأنهم إن تدبروه تدبرا صادقا. لعلموا أنه الحق الذي لا يحوم حوله باطل.
وشبيه بهذه الجملة قوله ـ تعالى ـ (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢).
وبعد أن وبخهم ـ سبحانه ـ على تركهم الانتفاع بالقرآن. أتبع ذلك بتقريعهم على أن ما جاءهم به الرسول صلىاللهعليهوسلم يتفق في أصوله مع ما جاء به الرسل السابقون لآبائهم الأولين.
أى : أكذبوا رسولهم لأنه جاءهم بما لم يأت به الرسل لآبائهم؟ كلا ، فإن ما جاءهم به الرسول صلىاللهعليهوسلم يطابق ـ في جوهره ـ ما جاء به إبراهيم وإسماعيل وغيرهما ، من آبائهم الأولين.
قال ـ تعالى ـ (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ، وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى ، أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ.). (٣).
وقال ـ سبحانه ـ : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ، وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ..). (٤).
ويجوز أن يكون المعنى : أكذب هؤلاء الجاهلون رسولهم صلىاللهعليهوسلم لأنهم في أمان من العذاب ، وهذا الأمان لم يكن فيه آباؤهم الأولون؟
كلا ، وإن من شأن العقلاء أنهم لا يأمنون مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
قال الآلوسى : وأم في قوله ـ تعالى ـ (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) منقطعة ، وما فيها من معنى بل ، للإضراب والانتقال من التوبيخ بما ذكر إلى التوبيخ بآخر. والهمزة لإنكار الوقوع لا لإنكار الواقع. أى : بل أجاءهم من الكتاب ما لم يأت آباءهم الأولين ، حتى استبعدوه فوقعوا فيما وقعوا فيه من الكفر والضلال ، بمعنى أن مجيء الكتب من جهته ـ تعالى ـ إلى الرسل سنة قديمة له ـ تعالى ـ وأن مجيء القرآن جار على هذه السنة فلما ذا ينكرونه؟
وقيل المعنى : أفلم يدبروا القرآن ليخافوا عند تدبر آياته ، ما نزل بمن قبلهم من المكذبين ،
__________________
(١) سورة النساء آية ٨٢.
(٢) سورة محمد آية ٢٤.
(٣) سورة الشورى آية ١٣.
(٤) سورة الأحقاف آية ٩.