فإن قلت : يزعم بعض الناس أن أبا طالب صح إسلامه؟ قلت : يا سبحان الله. كأن أبا طالب كان أخمل أعمام رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى يشتهر إسلام حمزة والعباس ـ رضى الله عنهما ـ ويخفى إسلام أبى طالب» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما كان سينزل بالعالم من فساد. فيما لو اتبع الحق ـ على سبيل الفرض ـ أهواء هؤلاء المشركين ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ...).
والمراد بالحق هنا ـ عند كثير من المفسرين ـ هو الله ـ عزوجل ـ إذ أن هذا اللفظ من أسمائه ـ تعالى ـ.
والمعنى : ولو أجاب الله ـ تعالى ـ هؤلاء المشركين إلى ما يهوونه ويشتهونه من باطل وقبيح. لفسدت السموات والأرض ومن فيهن ؛ لأن أهواءهم الفاسدة من شرك. وظلم ، وحقد ، وعناد ... ، لا يمكن أن يقوم عليها نظام هذا الكون البديع ، الذي أقمناه على الحق والعدل ...
ويرى بعض المفسرين أن المراد بالحق هنا ما يقابل الباطل ويدل على ذلك قوله ـ تعالى ـ : (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ).
فيكون المعنى : ولو اتبع الحق الذي جاءهم به الرسول صلىاللهعليهوسلم أهواء المشركين ، لفسدت السموات والأرض ومن فيهن ، وذلك لأن الرسول صلىاللهعليهوسلم جاءهم بالتوحيد وهم يريدون الشرك ، وجاءهم بمكارم الأخلاق ، وهم يريدون ما ألفوه من شهوات ، وجاءهم بالتشريعات العادلة الحكيمة ، وهم يريدون التشريعات التي ترضى غرورهم وأوضاعهم الفاسدة ، والتي منها تفضيل الناس بحسب أحسابهم وغناهم ، لا بحسب إيمانهم وتقواهم ...
ومع وجاهة الرأيين ، إلا أننا نميل إلى الرأى الثاني ، لأنه أقرب إلى سياق الآيات ، كما يشير إلى ذلك قوله ـ تعالى ـ : (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ).
وقوله ـ سبحانه ـ : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) انتقال من توبيخهم على كراهيتهم للحق ، إلى توبيخهم على نفورهم مما فيه عزهم وفخرهم.
والمراد بذكرهم : القرآن الذي هو شرف لهم ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (٢).
__________________
(١) تفسير الكاشف ج ٣ ص ١٩٥.
(٢) سورة الزخرف الآية ٤٤.