أى : لقد سقنا لهم ألوانا من النعم ، وسقنا لهم ما يدل على قدرتنا ومع ذلك فلم يؤمنوا. بل قالوا مثل ما قال من هم على شاكلتهم في الكفر من الأقوام الأولين.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قالوه فقال : (قالُوا) على سبيل التعجب والإنكار (أَإِذا مِتْنا ، وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ).
فهم يرون ـ لجهلهم وغبائهم ـ أنه من المستحيل أن يعادوا إلى الحياة بعد أن يموتوا ويصيروا ترابا وعظاما نخرة.
وهذا الذي قالوه هنا. قد حكى القرآن عنهم مثله في آيات كثيرة ، من ذلك قوله ـ تعالى ـ (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ* أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً* قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ أنهم لم يكتفوا بإنكارهم للبعث ، بل أضافوا إلى ذلك سوء الأدب ، والسخرية ممن يؤمن به فقال : (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ ...).
أى : لقد وعدنا على لسان هذا الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن البعث حق ، كما وعد آباؤنا قبل ذلك على ألسنة الرسل السابقين ، ونحن لا نصدق هذا الرسول ، ولا أولئك الرسل.
(إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أى : ما هذا البعث الذي وعدنا جميعا به ، إلا أساطير الأولين. أى : أكاذيبهم التي سطروها من عند أنفسهم في كتبهم.
والأساطير : جمع أسطورة ، كأحدوثة ، وأعجوبة ، وأكذوبة.
وهكذا الجهلاء المغرورون ، لا يقفون من الحق موقف المنكر له فحسب ، بل يضيفون إلى ذلك سوء الأدب ، وقبح المنطق ، والقول بغير علم.
وقد أمر الله ـ تعالى ـ رسوله أن يرد على أباطيلهم ، وأن يلزمهم بثلاث حجج ، تدل على أن الله ـ تعالى ـ قادر على إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم.
أما الحجة الأولى فتتجلى في قوله ـ سبحانه ـ : (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ لمن هذه الأرض ملكا وتصرفا ، ولمن هذه المخلوقات التي عليها ، خلقا وتدبيرا ، إن كنتم من أهل العلم والفهم؟ أو كنتم عالمين بذلك فأخبرونى من خالقهم؟ فجواب الشرط محذوف لدلالة الاستفهام عليه.
__________________
(١) سورة ق الآية ٣.
(٢) سورة النازعات الآيات ١٠ ـ ١٢.