نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) (١).
ثم أمر الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم بالصبر على أذاهم. وبمقابلة سيئاتهم بالخصال الحسنة ، فقال : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ، نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ).
أى : قابل ـ أيها الرسول الكريم ـ سيئات هؤلاء المشركين الجاهلين ، بالأخلاق والسجايا التي هي أحسن من غيرها ، كأن تعرض عنهم ، وتصبر على سوء أخلاقهم ، فأنت صاحب الخلق العظيم ، ونحن أعلم منك بما يصفوننا به من صفات باطلة. وما يصفوك به من صفات ذميمة ، وسنجازيهم على ذلك بما يستحقون ، في الوقت الذي نريده.
فالآية الكريمة توجيه حكيم من الله ـ تعالى ـ لنبيه ـ ، وتسلية له عما أصابه من أعدائه ، وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (٢).
ثم أمره ـ تعالى ـ بأن يستعيذ به من وساوس الشياطين ونزغاتهم فقال : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ).
وقوله : (هَمَزاتِ) جمع همزة وهي المرة من الهمز. وهي في اللغة النخس والدفع باليد أو بغيرها. يقال : همزه يهمزه ـ بضم الميم وكسرها ـ إذا نخسه ودفعه وغمزه.
ومنه المهماز ، وهو حديدة تكون مع الراكب للدابة يحثها بها على السير.
والمراد بهمزات الشياطين هنا : وساوسهم لبنى آدم وحضهم إياهم على ارتكاب ما نهاهم الله ـ تعالى ـ عنه.
أى : وقل ـ أيها الرسول الكريم ـ يا رب أعوذ بك ، واعتصم بحماك ، من وساوس الشياطين ، ومن نزغاتهم الأثيمة ، ومن همزاتهم السيئة ، وأعوذ بك يا إلهى وأتحصن بك ، من أن يحضرني أحد منهم في أى أمر من أمور ديني أو من دنياى ، فأنت وحدك القادر على حمايتى منهم.
وفي هذه الدعوات من الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو المعصوم من همزات الشياطين ـ تعليم للمؤمنين ، وإرشاد لهم ، إلى اللجوء ـ دائما ـ إلى خالقهم ، لكي يدفع عنهم وساوس الشياطين ونزغاتهم.
* * *
ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى بيان أقوال هؤلاء المشركين عند ما ينزل بهم الموت ، وعند ما
__________________
(١) سورة الرعد آية ٤٠.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٩٩.