يدركهم الموت. و «حتى» حرف ابتداء .. والمراد بمجيء الموت : مجيء علاماته.
أى : أن هؤلاء الكافرين يستمرون في لجاجهم وطغيانهم ، حتى إذا فاجأهم الموت ، ونزلت بهم سكراته ، ورأوا مقاعدهم في النار ، قال كل واحد منهم يا رب ارجعنى إلى الدنيا ، (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) أى : لكي أعمل عملا صالحا فيما تركت خلفي من عمرى في أيام الدنيا ، بأن أخلص لك العبادة والطاعة وأتبع كل ما جاء به نبيك من أقوال وأفعال.
وجاء لفظ (ارْجِعُونِ) بصيغة الجمع. لتعظيم شأن المخاطب ، وهو الله ـ تعالى ـ واستدرار عطفه ـ عزوجل ـ.
أو أن هذا الكافر استغاث بالله ـ تعالى ـ فقال : «رب» ثم وجه خطابه بعد ذلك إلى خزنة النار من الملائكة فقال : «ارجعون».
و «لعل» في قوله تعالى : (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً) للتعليل. أى : ارجعون لكي أعمل عملا صالحا.
وفي معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (... وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ. رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا ، فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ الجواب عليهم فقال : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ، وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
و «كلا» حرف زجر وردع. والبرزخ : الحاجز والحاجب بين الشيئين لكي لا يصل أحدهما إلى الآخر. والمراد بالكلمة : ما قاله هذا الكافر. أى : رب ارجعون.
أى : يقال لهذا الكافر النادم : كلا ، لا رجوع إلى الدنيا (إِنَّها) أى قوله رب ارجعون ، (كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) ولن تجديه شيئا ، لأنه قالها بعد فوات الأوان لنفعها ، (وَمِنْ وَرائِهِمْ) أى : ومن أمام هذا الكافر وأمثاله ، حاجز يحول بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا ، وهذا الحاجز مستمر إلى يوم البعث والنشور.
فالمراد بالبرزخ : تلك المدة التي يقضيها هؤلاء الكافرون منذ موتهم إلى يوم يبعثون.
وفي هذه الجملة الكريمة. زجر شديد لهم عن طلب العودة إلى الدنيا. وتيئيس وإقناط لهم
__________________
(١) سورة الشورى الآية ٤٤.
(٢) سورة السجدة الآية ١٢.