ذلك الإحراق واللفح.
ثم يقال لهم بعد كل هذا العذاب المهين على سبيل التقريع والتوبيخ : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي) الدالة على وحدانيتي وقدرتي وصدق رسلي (تُتْلى عَلَيْكُمْ) في الدنيا على ألسنة هؤلاء الرسل الكرام (فَكُنْتُمْ بِها) أى : بهذه الآيات (تُكَذِّبُونَ) هؤلاء الرسل فيما جاءوكم به من عندي من هدايات وإرشادات.
وكأنهم قد خيل إليهم ـ بعد هذا السؤال التوبيخي ، أنهم قد أذن لهم في الكلام ، وأن اعترافهم بذنوبهم قد ينفعهم فيقولون ـ كما حكى القرآن عنهم ـ : (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا ..). أى : يا ربنا تغلبت علينا أنفسنا الأمارة بالسوء ، فصرفتنا عن الحق ، وتغلبت علينا ملذاتنا وشهواتنا وسيئاتنا التي أفضت بنا إلى هذا المصير المؤلم (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) عن الهدى والرشاد ، بسبب شقائنا وتعاستنا.
(رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) أى : من هذه النار التي تلفح وجوهنا (فَإِنْ عُدْنا) إلى ما نحن عليه من الكفر وارتكاب السيئات (فَإِنَّا ظالِمُونَ) أى : فإنا متجاوزون لكل حد في الظلم ، ونستحق بسبب ذلك عذابا أشد مما نحن فيه.
وهكذا يصور القرآن بأسلوبه البديع المؤثر ، أحوال الكافرين يوم القيامة ، تصويرا ترتجف له القلوب ، وتهتز منه النفوس ، وتقشعر من هوله الأبدان.
وقوله ـ سبحانه ـ : (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) جواب على طلبهم الخروج من النار ، والعودة إلى الدنيا.
أى : قال الله ـ تعالى ـ لهم على سبيل الزجر والتيئيس : (اخْسَؤُا فِيها) اسكتوا وانزجروا انزجار الكلاب ، وامكثوا في تلك النار (وَلا تُكَلِّمُونِ) في شأن خروجكم منها ، أو في شأن عودتكم إلى الدنيا.
وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ ..). تعليل لزجرهم عن طلب الخروج أى : اخسئوا في النار ولا تكلمون ، لأنه كان في الدنيا فريق كبير من عبادي المؤمنين يقولون بإخلاص ورجاء : (رَبَّنا آمَنَّا) بك واتبعنا رسلك (فَاغْفِرْ لَنا) ذنوبنا (وَارْحَمْنا) برحمتك التي وسعت كل شيء (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ..). هو محط التعليل ، أى : فكان حالكم معهم أنكم سخرتم واستهزأتم بهم.
(حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) أى : فاتخذتموهم سخريا ، وداومتم على ذلك ، وشغلكم هذا