هذه العقوبة يجب أن تنفذ عليهم ، متى ثبت قذفهم للمحصنات ، حتى ولو تابوا وأصلحوا.
والخلاف إنما هو في العقوبة الوسطى وهي قبول شهادتهم ، فجمهور الفقهاء يرون صحة عودة الاستثناء عليها بعد التوبة ، فيكون المعنى : إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ، فاقبلوا شهادتهم.
ويرى الإمام أبو حنيفة أن الاستثناء لا يرجع إلى قبول شهادتهم ، وإنما يرجع فقط إلى العقوبة الأخيرة وهي الفسق ، فهم لا تقبل شهادتهم أبدا أى : طول مدة حياتهم ، حتى وإن تابوا وأصلحوا.
وقد فصل القول في هذه المسألة الإمام القرطبي فقال ما ملخصه : «تضمنت الآية ثلاثة أحكام في القاذف : جلده ، ورد شهادته أبدا ، وفسقه.
فالاستثناء غير عامل في جلده وإن تاب ـ أى أنه يجلد حتى ولو تاب.
وعامل في فسقه بإجماع. أى : أن صفة الفسق تزول عنه بعد ثبوت توبته.
واختلف الناس في عمله في رد الشهادة. فقال أبو حنيفة وغيره : «لا يعمل الاستثناء في رد شهادته. وإنما يزول فسقه عند الله ـ تعالى ـ. وأما شهادة القاذف فلا تقبل ألبتة. ولو تاب وأكذب نفسه ، ولا بحال من الأحوال.
وقال الجمهور : الاستثناء عامل في رد الشهادة ، فإذا تاب القاذف قبلت شهادته ، وإنما كان ردها لعلة الفسق ، فإذا زال بالتوبة قبلت شهادته مطلقا ، قبل الحد وبعده. وهو قول عامة الفقهاء.
ثم اختلفوا في صورة توبته ، فمذهب عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ والشعبي وغيره : أن توبته لا تكون ـ مقبولة ـ إلا إذا كذب نفسه في ذلك القذف الذي حد فيه.
وقالت فرقة منها مالك وغيره : توبته أن يصلح ويحسن حاله ، وإن لم يرجع عن قوله بتكذيب ، وحسبه الندم على قذفه ، والاستغفار منه ، وترك العود إلى مثله» (١).
ويبدو لنا أن ما أفتى به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هو الأولى بالقبول ، لأن اعتراف القاذف بكذبه ، فيه محو لآثار هذا القذف ، وفيه تبرئة صريحة للمقذوف ، وهذه التبرئة تزيده انشراحا وسرورا ، وترد إليه اعتباره بين أفراد المجتمع.
كما يبدو لنا أن الأولى في هذه الحالة أن تقبل شهادة القاذف ، بعد هذه التوبة التي صاحبها
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ١٧٩ وراجع أيضا البيان ج ٦ ص ٨٩ وما بعدها.