شهداء على أنه صادق في قوله.
قال بعض العلماء : ولعلك تقول : لما ذا كان حكم قاذف زوجته ، مخالفا لحكم قاذف الأجنبية؟ وما السر في أنه جاء مخففا.؟
والجواب : أنه لا ضرر على الزوج بزنا الأجنبية؟ وأما زنا زوجته فيلحقه به العار. وفساد البيت. فلا يمكنه الصبر عليه ، ومن الصعب عليه جدا أن يجد البينة. فتكليفه إياها فيه من العسر والحرج ما لا يخفى. وأيضا فإن الغالب في الرجل أنه لا يرمى زوجته بتلك الفاحشة ، إلا عن حقيقة. لأن في هذا الرمي إيذاء له ، وهتكا لحرمته ، وإساءة لسمعته .. فكان رميه إياها بالقذف دليل صدقه. إلا أن الشارع أراد كمال شهادة الحال. بذكر كلمات اللعان المؤكدة بالأيمان ، فجعلها ـ منضمة إلى قوة جانب الزوج ـ قائمة مقام الشهود في قذف الأجنبى» (١).
كذلك أخذ العلماء من هذه الآيات أن كيفية اللعان بين الزوجين ، أن يبدأ بالزوج فيقول أمام القاضي : أشهد بالله إنى لمن الصادقين ، وفي المرة الخامسة يقول : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ـ أى فيما رمى به زوجته ـ ، وكذلك المرأة تقول في لعانها أربع مرات : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين. وفي المرة الخامسة تقول : غضب الله عليها إن كان من الصادقين ـ أى فيما قاله زوجها في حقها ـ.
فإذا ما قالا ذلك. سقط عنهما الحد ، وفرق القاضي بينهما فراقا أبديا.
قال القرطبي : «قال مالك وأصحابه : وبتمام اللعان تقع الفرقة بين المتلاعنين فلا يجتمعان أبدا. ولا يتوارثان. ولا يحل له مراجعتها أبدا لا قبل زوج ولا بعده.
وقال أبو حنيفة وغيره : لا تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما.
وقال الشافعى : إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان. فقد زال فراش امرأته. التعنت أو لم تلتعن. لأن لعانها إنما هو لدرء الحد عنها لا غير. وليس لالتعانها في زوال الفراش معنى ..» (٢).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ حكم القذف بالنسبة للمحصنات. وبالنسبة للزوجات ، أتبع ـ عزوجل ـ ذلك بإيراد مثل لما قاله المنافقون في شأن السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ. ولما كان يجب على المؤمنين أن يفعلوه في مثل هذه الأحوال ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير آيات الأحكام ج ٣ ص ١٣٦.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٢ ص ١٩٣.