عائشة : هو عبد الله بن أبى ـ عليه اللعنة ـ وقد سار على ذلك أكثر المحدثين.
أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر ، أنه بعد نزول هذه الآيات في براءة السيدة عائشة دعا الرسول صلىاللهعليهوسلم أبا عبيدة بن الجراح فجمع الناس ، ثم تلاها عليهم. ثم بعث إلى عبد الله بن أبى. فجيء به فضربه حدين ، ثم بعث إلى حسان بن ثابت ، ومسطح. وحمنة بنت جحش فضربوا ضربا وجيعا .. وقيل إن ابن أبى لم يحد أصلا ، لأنه لم يقر ، ولم يلتزم إقامة البينة عليه تأخيرا لجزائه إلى يوم القيامة» (١).
ثم وجه ـ سبحانه ـ المؤمنين إلى الطريق الذي كان يجب عليهم أن يسلكوه في مثل هذه الأحوال فقال :
(لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ، وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ).
و «لو لا» حرف تحضيض بمعنى هلا والمراد «بأنفسهم» هنا إخوانهم في الدين والعقيدة.
أى : هلا وقت أن سمعتم ـ أيها المؤمنون والمؤمنات ـ حديث الإفك هذا ظننتم «بأنفسكم». أى : بإخوانكم وبأخواتكم ظنا حسنا جميلا ، وقلتم : هذا الحديث الذي أذاعه المنافقون كذب شنيع وبهتان واضح لا يصدقه عقل أو نقل.
وفي التعبير عن إخوانهم وأخواتهم في الدين بأنفسهم ، أسمى ألوان الدعوة إلى غرس روح المحبة والمودة والإخاء الصادق بين المؤمنين ، حتى لكأن الذي يظن السوء بغيره إنما ظنه بنفسه.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (... ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ..). (٢). وقوله ـ سبحانه ـ : (... وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ..). (٣).
قال أبو حيان ـ رحمهالله ـ : «وعدل بعد الخطاب ـ في الآية الأولى ـ إلى الغيبة في هذه الآية ـ ، وعن الضمير إلى الظاهر ، فلم يجئ التركيب ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم هذا إفك مبين. ليبالغ ـ سبحانه ـ في التوبيخ بطريقة الالتفات ، وليصرح بلفظ الإيمان ، دلالة على أن الاشتراك فيه ، مقتض في أن لا يصدق مؤمن على أخيه قول عائب ولا طاعن ، وفيه تنبيه على أن المؤمن إذا سمع قالة سوء في أخيه أن يبنى الأمر فيه على ظن الخير ، وأن يقول بناء على ظنه : هذا إفك مبين. هكذا باللفظ الصريح ببراءة أخيه ، كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال ، وهذا من الأدب الحسن ، ومعنى بأنفسهم ، أى : كأن يقيس فضلاء المؤمنين
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ١١٦.
(٢) سورة البقرة الآية ٨٥.
(٣) سورة الحجرات الآية ١١.