و «لو لا» هنا لامتناع الشيء لوجود غيره ، و «أفضتم» من الإفاضة بمعنى التوسع في الشيء. والاندفاع فيه بدون تريث أو تحقق ، وأصله من قولهم : «أفاض فلان الإناء ، إذا ملأه حتى فاض».
أى : ولو لا فضل الله عليكم ورحمته بكم ـ أيها المؤمنون ـ في الدنيا بإعطائكم فرصة للتوبة. وفي الآخرة بقبول توبتكم ، لو لا ذلك «لمسكم» أى : لنزل بكم بسبب ما أفضتم فيه من حديث الإفك عذاب عظيم ، لا يعلم مقدار ألمه وشدته إلا الله ـ تعالى ـ.
ثم صور ـ سبحانه ـ أحوالهم في تلك الفترة العصيبة من تاريخ الدعوة الإسلامية فقال : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ). و «إذ» ظرف لقوله ـ تعالى ـ (لَمَسَّكُمْ).
أى : لمسكم عذاب عظيم. وقت تلقيكم هذا الحديث السيئ لسانا عن لسان باستخفاف واستهتار! ويأخذه بعضكم عن بعض بدون تحرج أو تدبر.
(وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) أى : وتقولون بأفواهكم قولا تلوكه الأفواه ، دون أن يكون معه بقية من علم أو بينة أو دليل.
ففي هاتين الجملتين زجر شديد لأولئك الذين خاضوا في حديث الإفك ، بدون تدبر أو تعقل ، حتى لكأنهم ـ وقد أفلت منهم الزمام ، واستزلهم الشيطان ـ ينطقون بما ينطقون به بأفواههم لا بوعيهم ، وبألسنتهم لا بعقولهم ، ولا بقلوبهم ، وإنما هم يتفوهون بكلمات لا علم لهم بحقيقتها. ولا دليل معهم على صدقها.
وهذا كله يتنافى مع ما يقتضيه الإيمان الصحيح من تثبت ومن حسن ظن بالمؤمنين.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بما هو أشد في الزجر والتهديد فقال : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ).
أى : وتحسبون أن ما خضتم فيه من كذب على الصديقة بنت الصديق شيئا هينا ، والحال أن ما فعلتموه ليس كذلك ، بل هو عند الله ـ تعالى ـ وفي حكمه شيء عظيم ، تضج لهوله الأرض والسماء لأن ما خضتم فيه يسيء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ويسيء إلى أهل بيته ، ويسيء إلى صحابى جليل هو صفوان ، ويسيء إلى بيت الصديق ـ رضى الله عنه ـ بل ويسيء إلى الجماعة الإسلامية كلها.
ثم يوجههم ـ سبحانه ـ مرة أخرى إلى ما كان يجب عليهم أن يفعلوه في مثل هذه الأحوال فيقول : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا ، سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ).