فإن قلت : أى حاجة إليه خبرا كان أو صلة ، وقد علم أن المرسلين لا يكونون إلا على صراط مستقيم؟
قلت : ليس الغرض بذكره ما ذهبت إليه من تمييز من أرسل على صراط مستقيم عن غيره ممن ليس على صفته. وإنما الغرض وصفه ، ووصف ما جاء به من الشريعة ، فجمع بين الوصفين في نظام واحد ، كأنه قال : إنك لمن المرسلين الثابتين على طريق ثابت ، وأيضا فإن التنكير فيه دل على أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة ، على صراط مستقيم لا يكتنه وصفه ـ أى : في التضخيم والتعظيم ـ (١).
ثم مدح ـ سبحانه ـ كتابه بمدائح أخرى فقال : (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) وقد قرأ بعض القراء السبعة : (تَنْزِيلَ) بالنصب على المدح ، أو على المصدرية لفعل محذوف. أى : نزل الله ـ تعالى ـ القرآن تنزيل العزيز الرحيم.
وقرأ البعض الآخر : (تَنْزِيلَ) بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. أى : هذا القرآن هو تنزيل العزيز ـ الذي لا يغلبه غالب ـ ، الرحيم أى الواسع الرحمة بعباده.
ثم بين ـ سبحانه ـ الحكمة من إرساله لنبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ).
واللام في قوله : (لِتُنْذِرَ) متعلقة بفعل مضمر يدل عليه قوله : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).
والإنذار : إخبار معه تخويف في مدة تتسع للتحفظ من الخوف. فإن لم تتسع له فهو إعلام وإشعار لا إنذار. وأكثر ما يستعمل في القرآن في التخويف من عذاب الله ـ تعالى ـ.
والمراد بالقوم : كفار مكة الذين بعث النبي صلىاللهعليهوسلم لإنذارهم ، وهذا لا يمنع أن رسالته عامة إلى الناس جميعا ، كما قال ـ تعالى ـ : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ...) و (ما) نافية. والمراد بآبائهم : آباؤهم الأقربون ، لأن آباءهم الأبعدون قد أرسل الله ـ تعالى ـ إليهم إسماعيل ـ عليهالسلام ـ.
أى : أرسلناك ـ يا محمد ـ بهذه الرسالة من لدنا ، لتنذر قوما ، وهم قريش المعاصرون لك ، لم يسبق لهم أو لآبائهم أن جاءهم نذير منا يحذرهم من سوء عاقبة الإشراك بالله ـ تعالى ـ فهم لذلك غافلون عما يجب عليهم نحو خالقهم من إخلاص العبادة له ، وطاعته في السر والعلن.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٤.