وكذب ـ أيضا ـ قوم ثمود نبيهم صالحا ، وقوم لوط نبيهم لوطا ، وأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب. كذبوه كذلك ـ فكانت نتيجة هذا التكذيب الإهلاك لهؤلاء المكذبين ـ كما قال ـ تعالى ـ : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا ، وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١).
والإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) تعود إلى هؤلاء الأقوام المكذبين لرسلهم وسموا بالأحزاب ، لأنهم تحزبوا ضد رسلهم ، وانضم بعضهم إلى بعض في تكذيبهم ، ووقفوا جميعا موقف المحارب لهؤلاء الرسل الكرام.
وقوله ـ سبحانه ـ (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ) استئناف مقرر لما قبله من تكذيب هؤلاء الأقوام لرسلهم ، وبيان للأسباب التي أدت إلى عقاب المكذبين.
و «إن» هنا نافية ، ولا عمل لها لانتقاض النفي بإلا. و «إلا» أداة استثناء مفرغ من أعم الصفات أو الأحكام : وجملة «كذب الرسل» في محل رفع خبر «كل».
أى : ليس لهؤلاء الأقوام من صفات سوى تكذيب الرسل ، فكانت نتيجة هذا التكذيب أن حل بهم عقابي وثبت عليهم عذابي. الذي دمرهم تدميرا.
والإخبار عن كل حزب من هذه الأحزاب بأنه كذب الرسل ، إما لأن تكذيب كل حزب لرسوله يعتبر من باب التكذيب لجميع الرسل لأن دعوتهم واحدة ، وإما من قبيل مقابلة الجمع بالجمع ، والمقصود تكذيب كل حزب لرسوله.
وقد جاء تكذيبهم في الآية السابقة بالجملة الفعلية «كذبت قبلهم ...» وجاء في هذه الآية بالجملة الاسمية : لبيان إصرارهم على هذا التكذيب ، ومداومتهم عليه ، وإعراضهم عن دعوة الرسل لهم إعراضا تاما.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ). بيان للعذاب المعد للمشركين المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوسلم بعد بيان العقاب الذي حل بالسابقين.
والمراد بالصيحة هنا : النفخة الثانية التي ينفخها إسرافيل في الصور ، فيقوم الخلائق من قبورهم للحساب والجزاء.
وقيل المراد بها النفخة الأولى ، وضعف هذا القول بأنهم لن يكونوا موجودين وقتها حتى يصعقوا بها ..
__________________
(١) سورة العنكبوت الآية ٤٠.